اضطهدت أكثر الحكومات العبّاسيّة رسمياً العلويّين، وقابلتهم بمنتهى القسوة والشدّة، وقد رأوا من العذاب ما لم يروه في العهد الأموي وأوّل من فتح باب الشر والتنكيل بهم الطاغية فرعون هذه الأمة المنصور الدوانيقي(١) وهو القائل: (قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمّد)(٢) ، وهو صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين(٣) !! ، وهو الذي وضع أعلام العلويّين وأعيانهم في سجونه الرهيبة حتى قتلتهم الروائح الكريهة وردم على بعضهم السجون حتى توفّوا دفناً تحت أطنان الأتربة والأحجار!!

لقد اقترف هذا الطاغية السفّاك جميع ألوان التصفية الجسدية مع العلويّين، وعانوا في ظلال حكمه من صنوف الإرهاب والتنكيل ما لا يوصف لفضاعته وقسوته.

أمّا موسى الهادي فقد زاد على سلفه المنصور، وهو صاحب واقعة فخ التي لا تقل في مشاهدها الحزينة عن واقعة كربلاء، وقد ارتكب فيها هذا السفاك من الجرائم ما لم يُشاهد مثله، فقد أوعز بقتل الأطفال وإعدام الأسرى، وظلّ يطارد العلويّين، ويلحّ في طلبهم فمن ظفر به قتله، ولكن لم تطل أيام هذا الجلاّد حتى قصم الله ظهره.

ـــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ٢٦١.

(٢) الأدب في ظلّ التشيّع: ٦٨.

(٣) تاريخ الطبري ١٠ / ٤٤٦.


 

 

أمّا هارون الرشيد فهو لم يقلّ عن أسلافه في عدائه لأهل البيت عليه السلام والتنكيل بهم وهو القائل: (حتام اصبر على آل بني أبي طالب، والله لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم، ولأفعلنّ وأفعلنّ)(١) وهو الذي سجن الإمام الأعظم موسى بن جعفر عليه السلام عدة سنين، ودسّ إليه السمّ حتى توفّي في سجنه، لقد جهد الرشيد في ظلم العلويّين وإرهاقهم، فعانوا في عهده من الإرهاب ما لا يقلّ فضاعة عمّا عانوه في أيام المنصور.

ولما آلت الخلافة إلى المأمون رفع عنهم المراقبة، وأجرى لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته، ولكن لم يدم ذلك طويلاً إذ انّه بعد ما اغتال الإمام الرضا عليه السلام بالسمّ، أخذ في مطاردة العلويّين والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه.

وعلى أيّة حال فإنّ من أعظم المشاكل السياسية التي أُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وذرّيته وقتلهم بيد الزمرة العبّاسية الغاشمة والتي فاقت في قسوتها وشرورها أعمال بني أمية، حتى انتهى الأمر بأبناء النبيّ العظيم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أنّهم كانوا يتضورون جوعاً وسغباً، سوى المآسي الأخرى التي حلّت بهم، وكان من الطبيعي أن تؤلم هذه الحالة قلب الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، وتصيبه بالأسى والحزن(٢) .