وكانت العلوم السائدة التي أقبل الناس على تعلّمها، هي:

١ ـ علوم القرآن:

أ ـ علم القراءات: ويُعنى هذا العلم بالبحث عن قراءة القرآن وقد وجدت سبع طُرق في القراءات، كل طريقة منها تُنسب إلى قارئ، ومن أشهرهم في العصر العباسي يحيى بن الحارث الذماري المتوفّى سنة (١٤٥ هـ) وحمزة بن حبيب الزيات المتوفّى سنة (١٥٦ هـ) وأبو عبد الرحمن المقري المتوفّى

ـــــــــ

(١) حضارة العرب: ٢١٨.


 

 

سنة (٢١٣ هـ) وخلف بن هشام البزاز المتوفّى سنة (٢٢٩ هـ)(١) .

ب ـ التفسير: ويُراد به إيضاح الكتاب العزيز وبيان معناه، وقد اتجه المفسّرون في تفسيره اتجاهين:

الأوّل:التفسير بالمأثور ، ونعني به تفسير القرآن بما أثر عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وأئمّة الهُدى عليهم السلام وهذا ما سلكه أغلب مُفسّري الشيعة كتفسير القمّي والعسكري والبرهان؛ وحجّتهم في ذلك أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم المخصوصون بعلم القرآن على حقيقته وواقعه، وقد أدلى بذلك الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام بقوله:(ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء) (٢) وقد تظافرت الأدلّة على وجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن، يقول الشيخ الطوسي: (إنّ تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وعن الأئمّة الذين قولهم حجة كقول النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم )(٣) .

الثاني:التفسير بالرأي ، ويُراد به الأخذ بالاعتبارات العقلية الراجعة إلى الاستحسان وقد ذهب إلى ذلك المفسرون من المعتزلة والباطنية ، فلم يعنوا بما أثر عن أئمّة الهُدى في تفسير القرآن الكريم، وإنّما استندوا في تفسيره إلى ما يرونه من الاستحسانات العقلية(٤) .

وعلى أيّة حال فإنّ أوّل مدرسة للتفسير بالمأثور كانت في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فهو أوّل مفسّر للقرآن الكريم وعنه أخذ عبد الله بن عباس وغيره، من أعلام الصحابة، وكذلك اهتمّ به اهتماماً بالغاً الأئمّة الطاهرون، فتناولت الكثير من محاضراتهم تفسير القرآن، وأسباب نزول آياته وفضل قراءته.

٢ ـ علم الحديث:

ونعني به ما أثر عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أو عن أحد أوصيائه الأئمّة الطاهرين، من قول أو فعل أو تقرير لشيء ويعبّر عن ذلك كلّه بالسنّة.

ـــــــــ

(١) المعارف: ٢٣٠ ـ ٢٣١، الفهرست: ٤٢ ـ ٤٥.

(٢) التبيان: ١ / ٤.

(٣) حياة الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : ١ / ١٨١.

(٤) حياة الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : ١ / ١٨١.


 

 

وقد سبق الشيعة إلى تدوين الأحاديث، فقد حثّ الأئمّة الطاهرون أصحابهم على ذلك، حيث روى أبو بصير فقال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال:(ما يمنعكم من الكتابة، إنّكم لن تحفظوا حتى تكتبوا، أنّه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها) وقد انبرى جماعة من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام إلى جمع الأحاديث الصحيحة في جوامع كبيرة، وهي الجوامع الأولى للإمامية والتي تعدّ الأساس لتدوين الجوامع الأربعة لمشايخ الإسلام الثلاثة(١) .

٣ ـ الفقه:

ومن أبرز العلوم التي ساد انتشارها في ذلك العصر بل في جميع العصور الإسلامية هو علم الفقه الذي يتكفل بيان التكاليف اللازمة على المكلّفين وما هم مسؤولون عنه عند الله ومطالبون بامتثالها وتطبيقها على واقع حياتهم، ومن ثمّ كان الاهتمام بدراسة علم الفقه أكثر من سائر العلوم، وقد قام أئمّة أهل البيت عليهم السلام بدور فعّال في إنشاء مدرستهم الفقهيّة التي تخرّج منها كبار الفقهاء والعلماء أمثال : زرارة ومحمّد بن مسلم وجابر بن يزيد الجعفي وأمثالهم من عيون العلماء، وقد دوّنوا ما سمعوه من الأئمّة الطاهرين في أصولهم التي بلغت زهاء أربعمئة أصل، ثمّ هذّبت، وجمعت في الكتب الأربعة التي يرجع إليها فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية. ولم يقتصر هذا النشاط في طلب علم الفقه والإقبال عليه على الشيعة، وإنّما شمل جميع الطوائف الإسلامية.

٤ ـ علم أصول الفقه:

وأسّس هذا العلم الإمام أبو جعفر محمّد الباقر عليه السلام ، وهذا العلم ممّا يتوقّف عليه الاجتهاد والاستنباط، وكان موضع دراسة في ذلك العصر.

ـــــــــ

(١) مقدّمة المقنع والهداية: ١٠.


 

 

٥ ـ علم النحو:

وهو من العلوم التي لعبت دوراً مهمّاً في العصر العبّاسي، فقد كانت بحوثه موضع جدل، وقد عقدت لها الأندية في قصور الخلفاء وجرى في بعض مسائله نزاع حادّ بين علماء هذا الفنّ، وقد تخصّص بهذا العلم جماعة من الأعلام في ذلك العصر في طليعتهم الكسائي والفراء وسيبويه، وقد أسّس هذا العلم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام رائد العلم والحكمة في الأرض.

٦ ـ علم الكلام:

ويقصد به الدفاع عن المعتقدات الدينية بالأدلّة العلميّة، وقد تأسّس هذا الفنّ على أيدي الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وتخصّص فيه جماعة من تلاميذهم، يعدّ في طليعتهم العالم الكبير هشام بن الحكم، ومن أشهر المتكلّمين عند أهل السنّة: واصل بن عطاء وأبو الهذيل العلاّف وأبو الحسن الأشعري والغزالي.

٧ ـ علم الطب:

وقد شجّع ملوك بني العبّاس على دراسة الطب، ومنحوا الجوائز والأموال الطائلة للمتخصّصين فيه أمثال جبريل بن بختشوع الطبيب النصراني.

٨ ـ علم الكيمياء:

وقد تخصّص فيه جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي، وقد تلقّى معلوماته في هذا المجال من الإمام جعفر الصادق العقلية المفكّرة الفريدة في العالم الإنساني والمؤسس لهذا العلم.

٩ ـ علم الهندسة المعمارية والمدنية.

١٠ ـ علم الفلك.