لا يمكن من الناحية التاريخية أن يفصل دور أي إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام عن دور مَن سبقه من الائمة أو دَور مَن يليه منهم، بالنظر إلى تنوع الأدوار والأعمال والمهمّات التي ينهضون بها مع اتحاد الهدف والغاية والمقصد.

كما إن من العناصر المهمّة في فهم دور الإمام الجواد عليه السلام في تحريك الأوضاع في الاتجاه الذي يخدم المصالح العليا للإسلام والمسلمين، إلمامنا بالخطوط العامة للوضع السياسي في مرحلتي تصديه للقيادة بعد شهادة أبيه الإمام الرضا عليه السلام وقبل التصدي عندما كان في ظل أبيه عليه السلام وقد عاصر الإمام في هاتين المرحلتين خليفتين متميّزين بأسلوب الحكم وإن اشتركا بغصبهما لمنصب القيادة الشرعية والكيد لها وكانت إمامة الجواد عليه السلام واقعة في ملك ولدَي هارون الرشيد المأمون والمعتصم. وقبل تصديه للإمامة كان قد عاصر الأمين والمأمون معاً.

ولأجل أن نقف على أهم ملامح المرحلة الأولى من حياة هذا الإمام العظيم فلابد لنا أن نقف على أهم الأحداث السياسية لهذه المرحلة ونلمّ بأهم أسبابها وما خلّفته من آثار سلبية اجتماعية ودينية واقتصادية على الأمة الإسلامية عامة وعلى الدولة الإسلامية بشكل خاص.

ومن هنا لزم الوقوف عند ما يلي:

١ ـ الفتنة بين الأمين والمأمون.

٢ ـ الأمين ونزعاته واتجاهاته وسياسته.

٣ ـ المأمون ونزعاته واتجاهاته وسياسته.

إن الفتنة بين محمد الأمين وعبد الله المأمون ولدَي هارون الرشيد تعتبر أهمّ حدث سياسي قد وقع في هذه الرحلة التي نتكلم عن ملامحها، وقد عُبّر عنها بالفتنة الكبرى التي أدّت إلى إشعال نار الحرب بينهما وكلّفت المسلمين ثمناً باهضاً بذلوه من دماء وأموال وطاقات في سبيل استقرار الملك والسلطان لكل منهما.

وللوقوف على أسباب هذه الفتنة لابد أن نقف على شخصية كل واحد من هذين الأخوين بالإضافة إلى ما قام به الرشيد شخصياً لزرع بذور هذه الفتنة حيث عهد لأبنائه الثلاثة: الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن وبذلك قد مهّد لهم سبيل التنافس على المُلك مع ما منحهم من إمكانيات وقدرات مادّية يتنافسون بسببها ويأمل كل منهم حذف من سواه، وسوق منصب الخلافة لأبنائه دون إخوته.