نصّ الإمام الرضا عليه السلام على إمامة ابنه محمّد الجواد قبل أن يولد واستمر بالتنصيص عليه رغم السنوات القليلة التي عاشها الجواد مع أبيه الرضا عليه السلام .

وإليك صورة من تسلسل هذه النصوص وتدرّجها بحسب مراحلها الزمنية.

1 - عن صفوان بن يحيى قال: (قلت للرضا عليه السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله أبا جعفر عليه السلام فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك، فأقرّ عيوننا؛ فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه.

فقلت: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟

فقال: ما يضرّه من ذلك فقد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين)(1) .

وهذه الواقعة يمكن تحديدها بسنة (198 هـ) أي بعد ولادة الإمام الجواد عليه السلام (195 هـ) بثلاث سنين.

ولكن هذا النصّ صريح في أن الإمام كان يشير إلى إمامة ابنه الجواد عليه السلام حتى قبل ولادته.

نعم، كان الإمام الرضا عليه السلام يوجه الأنظار إلى إمامة ولده الجواد عليه السلام إمّا تلميحاً أو تصريحاً، فمن أقواله في ذلك:

2 - (هذا المولود لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه)(2) .

وقد نستفيد من هذا النصّ أنه كان قد صدر من الإمام الرضا عليه السلام بُعَيْد ولادة الجواد عليه السلام .

____________________

(1) الكافي: 1 / 321، الفصول المهمة 265.

(2) الكافي: 1 / 321.


3 - وعن معمر بن خلاّد قال: سمعت الرضا عليه السلام وذكر شيئاً، فقال: (ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)(1) .

4 - وعلى الرغم من ابتعاد الإمام الرضا عليه السلام عن المدينة إلا أنه كان دائم الاتصال بابنه الجواد عليه السلام وكان يخاطبه في رسائله بالتعظيم والتوقير، وما كان يذكر محمداً ابنه إلا بكنيته فيقول: (كتب إلي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر)... فيخاطبه بالتعظيم، وكانت ترد كتب أبي جعفر عليه السلام في نهاية البلاغة والحُسن، ويضيف الراوي - أبو الحسين بن محمد بن أبي عباد - أنه سمع الرضا عليه السلام يقول: (أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي)(2) .

وكان يبدي له التوجيهات والإرشادات لكي يفهم أتباع أهل البيت عليهم السلام بأنها جاءت في مقام إعداده للإمامة من بعده، وجاءت معللة برفع الله تعالى له، فقد كتب إليه: (يا أبا جعفر، بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فإنما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً، فأسئلك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير، وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد إلاّ أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً، والكثير إليك، إني أريد أن يرفعك الله، فانفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً)(3) .

وكانت النصوص على إمامة الجواد عليه السلام عديدة ومتظافرة، اختلفت في ظاهرها بسبب اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمام

____________________

(1) الكافي: 1 / 320، الفصول المهمة: 265.

(2) الصراط المستقيم: 2/166، وبحار الأنوار: 50/18.

(3) عيون أخبار الرضا: 2 / 8.


الرضا عليه السلام وبابنه الجواد عليه السلام وبأتباعه وأنصاره، وبسبب اختلاف أصحابه في الوعي ودرجة التلقي، وكتمان السر، وقربهم وبعدهم عن الإمام عليه السلام من حيث الولاء السياسي والعاطفي.

5 - عن جعفر بن محمد النوفلي قال: (أتيت الرضا عليه السلام فسلمت عليه، ثم جلست، وقلت: جعلت فداك إن أناساً يزعمون أنّ أباك حيٌّ، فقال: كذبوا لعنهم الله... فقلت له: ما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمّد من بعدي، وأما أنا فإني ذاهب في وجه الأرض لا أرجع منه...)(1) .

وجاء في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر نفسه:(2) .

6 - وعن البزنطي قال: قال لي ابن النجاشي: (من الإمام بعد صاحبك؟ فأحب أن تسأله حتى أعلم. فدخلت على الرضا عليه السلام فأخبرته، فقال لي: الإمام ابني)(3) .

7 - واجتمع جماعة عند الإمام الرضا عليه السلام فلما نهضوا قال لهم: (القوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهداً، ثم قال: يرحم الله المفضل إنه لكان ليقنع بدون ذلك)(4) .

وفسّر العلامة المجلسي قوله عليه السلام : (ليقنع بدون ذلك، أي: بأقلّ مما قلت لكم في العلم بأنه إمام بعدي، ونبّههم إلى أن غرضه النصّ عليه، ولم يصرّح به تقية واتقاء)(5) .

____________________

(1) بحار الأنوار: 48/260، و 49/285.

(2) بحار الأنوار: 50 / 18.

(3) الكافي: 1/ 320.

(4) الكافي: 1/ 320.

(5) بحار الأنوار: 50 / 25.


وقد نصّ عليه السلام على إمامة الإمام الجواد عليه السلام بالشكل الذي تثبت إمامته عند المقربين من الإمام عليه السلام وأتباعه المخلصين، والكوادر الرسالية التي أعدها للمستقبل، ووكلائه الثقاة.

وقد أعدّ الإمام عليه السلام طليعة من الكوادر لإسناد منهج أهل البيت عليهم السلام وإسناد إمامة الإمام الجواد عليه السلام ومنهم: عمّه علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر.

وانقاد أتباع الإمام الرضا عليه السلام للإمام الجواد عليه السلام وانقادت القاعدة الشعبية لإمامته إلا من شذّ منهم، واستقرت الإمامة على الإمام الجواد عليه السلام طبقاً للنصوص المتظافرة عليه من قبل أبيه وجده وأجداده، ولم تخف إمامته حتى عند الحكومة العباسية وولاتها وقوّادها.