كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس، ويجلس الإمام عليه السلام إلى جانبه الأيمن، فرفع إليه أن صوفياً من أهل الكوفة سرق، فأمر بإحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال: سوءاً لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل: فعلت ذلك اضطراراً لا اختياراً، وقد منعت من الخمس والغنائم، فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا من حملة القرآن.

فقال المأمون: لا أعطل حداً من حدود الله وحكماً من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك هذه.


قال: فابدأ أوّلاً بنفسك فطهرها ثم طهّر غيرك، وأقم حدود الله عليها ثم على غيرك.

فالتفت المأمون إلى الإمام عليه السلام فقال: ما تقول؟

فقال عليه السلام : (إنه يقول سرقت فسرق).

فغضب المأمون ثم قال: والله لأقطعنك.

قال الرجل: أتقطعني وأنت عبد لي؟ أليس أمك اشتريت من مال الفيء، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وأنا منهم وما أعتقتك، والأخرى أن النجس لا يطهر نجساً إنّما يطهره طاهر، ومن في جنبه حدّ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه...

فالتفت المأمون إلى الإمام عليه السلام فقال: ما تقول؟

قال عليه السلام : (أن الله عَزَّ وجَلَّ قال لنبيّه:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (1) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج الرجل).

فأمر المأمون بإطلاق الرجل الصوفي(2) .

وكان الإمام يتدخل في مثل هذه القضية دفاعاً عن المظلومين والمحرومين، وتطبيق أحكام القضاء طبقاً للمنهج الإسلامي السليم، ففي أحد الأيام أُدخل إلى المأمون رجلٌ أراد ضربَ عنقه والإمام عليه السلام حاضر، فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال: (أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلاَّ عزاً)، فاتبع المأمون قول

____________________

(1) الأنعام (6): 149.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/237 - 238، وفي مناقب آل أبي طالب: 4 / 398 - 399، بحار الأنوار: 49/288.


الإمام عليه السلام وعفى عنه(1) .

وأُتيَ المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية، فلما رآه المأمون أسلم النصراني؛ فغاضه ذلك، وسأل الفقهاء فقالوا: أهدر الإسلام ما قبل ذلك، فسأل المأمون الرضا عليه السلام فقال: (اقتله؛ لأنه أسلم حين رأى البأس؛ قال الله عَزَّ وجَلَّ:( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) (2) ).