أراد المأمون أن يجعل الإمام عليه السلام وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمه، وإيقاف نشاط الحركات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، وقد طلب من الإمام عليه السلام أن يولّي أحد أتباعه على البلدان التي تمرّدت على حكمه، ولكي يوقف تمرّدها حينما يكون الوالي من أنصار وأتباع الإمام عليه السلام ، أو يجعل المعارضة وجهاً لوجه أمام بعضها البعض.

ولكنّ الإمام عليه السلام أفشل خطة المأمون بهدوء طبقاً للشروط التي اشترطها، كما روي عنه عليه السلام أنه قال: (قال لي المأمون: يا أبا الحسن انظر


بعض من تثق به تولّيه هذه البلدان التي فسدت علينا، فقلت له: تفي لي وأفي لك، فإنّي إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى ولا أعزل ولا أولِّي ولا أسير، حتى يقدمني الله قبلك، فوالله أن الخلافة لشيء ما حدّثت به نفسي، ولقد كنت بالمدينة أتردّد في طرقها على دابّتي، وإن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون كالأعمام لي، وأنّ كتبي لنافذة في الأمصار، وما زدتني في نعمة هي عليّ من ربي، فأجابه المأمون: أفي لك).

ولم يراجعه المأمون في نفس القضية بعد ذلك، وليس أمامه إلاّ إصلاح الأوضاع العامة لتجنّب الثورات والتمرّدات المسلّحة.

ولم يتدخل الإمام عليه السلام في تعيين مسؤولي سائر المناصب كالقضاة وأمراء الجيش وأصحاب بيوتات الأموال، وتجنب جميع التصريحات والمواقف التي تمنح الشرعية لحكم المأمون، ولم يتدخل إلاّ في إصلاح المفاهيم والقضايا القضائية، وكل ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين.