كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه على الحكم فوجئ بعدة ثورات وحركات مسلحة، ومنها ثورات العلويين، وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع الأمصار الإسلامية، وقد وضّح المأمون حقيقة الأوضاع قائلاً: والله ما أنزلت قيساً من ظهور خيولها إلاّ وأنا أرى أنّه لم يبق في بيت مالي درهم واحد... وأمّا اليمن، فو الله ما أحببتها، ولا أحبتني قطّ، وأمّا قضاعة فساداتها تنتظر السفياني، حتى تكون من أشياعها، وأما ربيعة فساخطة على ربّها مذ بعث الله نبيّه من مُضر(1) .

وقد خلخلت الثورات المسلحة الوضع العسكري والسياسي، فقد نظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مائتا ألف رجل(2) .

فأراد المأمون من تقريب الإمام عليه السلام وتولّيه العهد أن يستقطب أعوانه وأنصاره، ويوقف زحفهم ونشاطهم العسكري، بل يستميلهم إلى جانبه ليتفرّغ إلى بقية الثائرين والمتمردين الذين لا يعتد بهم قياساً للثوار العلويين.

وأراد كسب الأغلبية العظمى من المسلمين لارتباطهم العاطفي والروحي بالإمام عليه السلام وخصوصاً أهل خراسان الذين أعانوه على احتلال بغداد، والشاهد على ذلك استقبال الإمام عليه السلام من قبل العلماء والفقهاء وأصحاب الحديث، والذين بلغ عددهم عشرين ألفاً في نيسابور(3) .

وبتقريب الإمام عليه السلام كان يمكنه امتصاص نقمة المعارضة، وتفويت

____________________

(1) الكامل في التاريخ: 6 / 432، 433.

(2) مقاتل الطالبيين: 550.

(3) الفصول المهمة: 251، نور الابصار: 170.


الفرصة عليها للمطالبة بالحكم، وشق صفوفها عن طريق تقريب البعض وإقناعهم بترك الثورة المسلحة دون البعض الآخر.