كان الإمام عليه السلام يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/176 ح 4 وكشف الغمة: 3/59 و: 119 عن إعلام الورى: 2/69.

(2) البداية والنهاية: 10 / 250.


الأوّل: مجموع الأُمة الاسلامية.

الثاني: الجماعة الصالحة.

فعلى المستوى الأول كان الإمام عليه السلام يوجه الأُمة للالتزام بالأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، ويبعدها عن مزالق الانحراف والرذيلة، تنفيذاً لمسؤوليته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجموع الأُمة يشمل الحكّام والمحكومين وهم جميع المسلمين بما فيهم أتباع أهل البيت عليهم السلام . وعلى المستوى الثاني فإنّ الإمام عليه السلام مسؤول عن بناء الجماعة الصالحة التي تتبنى مذهب أهل البيت عليهم السلام منهاجاً في الحياة، لكي يربّي كوادر ونماذج رسالية تقوم بدورها في إصلاح الأخلاق وتغيير الانحراف السائد في المجتمع، وهو في هذا المستوى يقوم بأداء دوره بصورة أكثف، ويبدي عناية إضافية ووقتاً إضافياً ليربي عدداً اكبر من المصلحين القادرين على إنجاح مهمات الإصلاح والتغيير، لذا نجده عليه السلام يعمل ليل نهار، ويلتقي بالإفراد فرداً فرداً أو جماعة جماعة من أنصاره، ويراسل وكلاءه وأتباعه في الأمصار ليقوّم سلوكهم ويهذّب أخلاقهم.

وكان يرسم لأتباعه المنهج السلوكي القويم، فعن الحسن بن الحسين أنه قال: استحل أحمد بن حمّاد منّي مالاً له خطر، فكتبت رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام وشكوت فيها أحمد بن حماد، فوقّع فيها: خوِّفه بالله!، ففعلت ولم ينفع، فعاودته برقعة أخرى أعلمته أنّي قد فعلت ما أمرتني به فلم انتفع، فوقع: إذا لم يحلّ فيه التخويف بالله، فيكف تخوفه بأنفسنا(1) .

وكان عليه السلام يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد أن يعدّهم إعداداً تربوياً في

____________________

(1) رجال الكشي: 561 ح 1059.


داره فقد أعتق ألف مملوك(1) طول سني حياته، وهذا العدد الكبير له تأثير في سير الأخلاق، حيث يصبح هؤلاء بعد التربية والإعداد الخلقي تياراً من المخلصين الواعين يعمل في وسط الأُمة، ويقوم بأداء دور الإصلاح مبتدءاً بنفسه وأسرته ثم المجتمع الكبير.

وقد تخرج من هذا الإعداد مئات المربين والمصلحين، وازداد أتباع الإمام عليه السلام في عصره وتوسعت قاعدته الشعبية في مساحة واسعة من الدولة الإسلامية.