قام الإمام عليه السلام بتوجيه الأنظار والقلوب للاقتداء بأرقى النماذج البشرية وهو رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، فهو قدوة للحكّام باعتباره حاكماً ورئيس دولة، وقدوة

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 178.

(2) كشف الغمة: 3 / 100 عن الآبي في نثر الدرر، الفصول المهمة: 254.


للفقهاء، وقدوة لسائر المسلمين من أفراد وجماعات.

وإذا كانت الحكومات المعاصرة للإمام عليه السلام تضيّق الخناق على الإمام عليه السلام في حالة التدخل في السياسة فإنها لا تستطيع أن تمنعه من الحديث المتعلق بأخلاق رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وخصوصاً أخلاقه كحاكم، ولذا وجد عليه السلام الظروف مناسبة للدعوة إلى الاقتداء به صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، فقد كان يذكر الأحاديث عن أجداده حول أخلاق رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، ومنها الحديث المروي عن الإمام الحسن عليه السلام عن أبيه عليه السلام في صفات رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم الأخلاقية:

(... وكان من سيرته في جزء الأُمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمة من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته... كان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يخزن لسانه إلاَّ عما يعنيه... ويكرم كريم قوم ويولّيه عليهم... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس... خيارهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة... وقد وسع الناس منه خلقه وصار لهم أباً رحيماً، وصاروا عنده في الحق سواء... كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب... وترك من الناس من ثلاث كان لا يذم أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته... وجمع له الحلم مع الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر مع أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه الباطل لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة)(1) .

وهذه الدعوة دعوة صامتة لتقوم الأُمة بتشخيص منهجين في الأخلاق: منهج الحكّام ومنهج رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم الذي هو منهج أهل البيت عليهم السلام . وقد

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 317 - 319.


فوّت الإمام عليه السلام على الحكّام فرصة منعه من التحدث عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في الجانب الخلقي. وهكذا كانت الدعوة إلى الاقتداء برسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم دعوة صامتة وسلميّة لكشف حقيقة أخلاق الحكّام.