قام الإمام عليه السلام بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.

ففي ردّه على المشبّهة قال عليه السلام : (إلهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء)(2) .

وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قال عليه السلام : (من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومن زعم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم السلام ، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك)(3) .

وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس، كما أن له ردوداً على الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.

وفنّد الإمام عليه السلام جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون، ووضّح

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 304.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 117.

(3) عيون أخبار الرضا: 1 / 124.


بطلان صدورها عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وأرشد المسلمين إلى الروايات الصحيحة، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة إلى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم والتي جاء فيها: (أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا)، قال عليه السلام : (لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله كذلك، وإنما قال: إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فاغفر له... حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم )(1) .

كما دعا الإمام الرضا عليه السلام إلى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى أجداده عليهم السلام تارة وإليه ابتداءً تارة أخرى.

قال عليه السلام : (حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليهما‌ السلام ، أنه قال: من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون، فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلّوا ورائه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً)(2) .

وقال عليه السلام عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: (الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو وأكلهم، أو شاربهم، أو وأصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عَزَّ وجَلَّ وولاية رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وولايتنا أهل البيت)(3) .

بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقال عليه السلام : (لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدريّة، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 126، 127.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 124.

(3) عيون أخبار الرضا: 2 / 203.


حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم برئ الله منهم)(1) .

وأمّا موقفه عليه السلام من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي:

بعد أن استشهد الإمام الكاظم عليه السلام طالب الإمام الرضا عليه السلام جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه: إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل(2) .

واستطاع هؤلاء أن يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظم عليه السلام لم يمت وأنّه القائم المنتظر.

وكان دور الإمام عليه السلام هو إثبات موت أبيه في المرحلة الأولى من مواجهة هذه الأفكار الهدّامة.

واستمر في مواجهتهم بشتى الأساليب، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الأفكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين أتباع أهل البيت عليهم السلام . وما كان من الإمام عليه السلام إلاّ أن يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقال عليه السلام : (لعنهم الله ما أشدّ كذبهم)(3) .

وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: (بلغني أنّك تجالس الواقفة؟) قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: (لا تجالسهم)(4) .

وقال عليه السلام فيمن سأله عن الواقفة: (الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير)(5) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 202.

(2) الغيبة للطوسي: 65 ح 67 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 253.

(3) رجال الكشي: 458 ح 868.

(4) رجال الكشي: 457 ح 864.

(5) رجال الكشي: 455 ح 860.


وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: (لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة)(1) .

وبذلك استطاع تحجيم دورهم وإيقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيت عليهم السلام ، ولم تنتشر أفكارهم إلا عند أصحاب المطامع والأهواء.