في المراحل الاولى من تصدّي الإمام الكاظم عليه السلام للامامة نجده يوصي بإمامة ولده علي الرضا عليه السلام لخاصة اصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل العامة، وكان يصرّح أحياناً ويلمح اُخرى.

فعن داود بن رزين قال: (حملت إلى ابي ابراهيم مالا فأخذ منّي بعضه، وردّ عليّ الباقي، فقلت له: جعلت فداك لِمَ رددت عليّ هذا، فقال: امسكه حتى يطلبه منك صاحبه بعدي، فلما مضى موسى عليه السلام بعث اليّ الرضا عليه السلام أن:

____________________

(1) اُصول الكافي: 1/311 ح 2 وعيون أخبار الرضا: 1 / 31 والارشاد: 2/249 عن الكليني، وعنه الطوسي في الغيبة: 36.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 32.


هات المال الذي قبلك فوجّهت به إليه)(1) .

فالإمام في هذه الرواية لم يصرّح لداود باسم الإمام الموصى اليه وإنّما جعل الأمر لولده الرضا عليه السلام ليؤكد له إمامته فيما بعد.

وكان الإمام الكاظم عليه السلام يجمع بين التلميح والتصريح على امامة الرضا عليه السلام في قول واحد لاختلاف المستويات الفكرية والعقلية في درجة التلقي والادراك.

فعن علي بن عبد الله الهاشمي قال: (كنّا عند القبر - أي قبر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم - نحو ستين رجلاً منّا ومن موالينا، إذ أقبل أبو ابراهيم موسى ابن جعفر عليهما‌ السلام ويد عليّ ابنه في يده، فقال: أتدرون من أنا؟ قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: انت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي ووصيّي بعد موتي)(2) .

وهذا النص هو نص بالامامة وهو في نفس الوقت قابل للتفسير الظاهري وهو الوصية العادية للأب إلى الابن، جعله الإمام عليه السلام من الالفاظ المتشابهة بسبب سوء الاوضاع السياسية من إرهاب وملاحقة وكبت للحريّات.

وكان الإمام الكاظم عليه السلام يعلن إمامة الرضا عليه السلام أمام بعض الافراد أحياناً، وأمام تجمع من اصحابه وأهل بيته احياناً اخرى تبعاً لمتطلّبات الظروف.

____________________

(1) اُصول الكافي: 1/313، واختبار معرفة الرجال: 313، والارشاد: 1/251، 252، وعنه في اعلام الورى: 2/47 و كشف الغمة: 3/61، 62 والغيبة للطوسي: 93 ح18، وبحار الأنوار: 49/25.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 27.


فعن داود بن كثير الرقي، قال: (قلت لموسى الكاظم عليه السلام جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا، فقال: هذا صاحبكم بعدي)(1) .

وعن حيدر بن أيوب قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ قال: دعانا ابو ابراهيم عليه السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة عليهما‌ السلام ، فأشهدَنا لعليّ ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأنّ أمره جايز عليه وله.

ثم وضّح محمد بن زيد مقصود الإمام عليه السلام فقال: والله يا حيدر لقد عقد له الامامة اليوم...)(2) .

وكان يستعمل لتثبيت إمامته ألفاظاً واضحة لا تحتاج إلى تأويل، فعن عبد الله بن الحارث وامّه من ولد جعفر بن أبي طالب انه قال: (بعث إلينا أبو ابراهيم عليه السلام فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي... ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الاّ بكتابه)(3) .

هذا في اجتماعاته الخاصّة بينما كان لا يصرّح بذلك في التجمّعات العامة وانّما يأتي بالفاظ متشابهة ويترك للمجتمعين حرية التأويل والتفسير لكلامه.

____________________

(1) الفصول المهمة: 243 - 244.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 28.

(3) اُصول الكافي: 1/312، وفي عيون أخبار الرضا: 1/27 والارشاد: 2/250، 251 عن الكليني وعنه في اعلام الورى: 2/45 والطوسي في الغيبة: 37 وعنها جميعاً في بحار الأنوار: 49/16.


قال حسين بن بشير: (أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌ السلام ابنه علياً عليه السلام كما أقام رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم علياً عليه السلام يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي)(1) .

وفي رواية اُخرى قال عبدالرحمن بن الحجّاج: أوصى ابو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌ السلام إلى ابنه عليّ عليه السلام ، وكتب له كتاباً أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(2) .

وفي سنة ( 178 هـ ) أخبر محمد بن سنان بوصيته بامامة ابنه علي الرضا عليه السلام (3) .