لقد اجتاز النبيّ صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم بالمسلمين دائرة بناء الفرد ، وبوصوله إلى يثرب شرع في التخطيط لتكوين الدولة التي تحكمها قوانين السماء والشريعة الإسلامية السمحاء ومن ثم بناء الحضارة الإسلامية لتشمل كل الإنسانية في مرحلة ما بعد الدولة.

ومن اُولى العقبات أمام تأسيس الدولة الإسلامية وجود النظام القبلي الذي كان يحكم العلاقات في مجتمع الجزيرة، كما أن ضعف المسلمين كان لابد له من معالجة واقعية، فكان المنطلق بناء المسجد ليكون مكاناً لمهام متعددة، ومركزاً للسلطة المركزية التي تدير شؤون الدولة. وتمّ تعيين الأرض وشرع المسلمون بهمّة وشوق في العمل الجادّ لبناء المسجد وما يتطلبه من مستلزمات، وكان الرسول هو القدوة والأسوة ومنبع الطاقة التي تُحرِّك المسلمين في العمل فشارك بنفسه في حمل الحجارة واللبن، وبينما هو صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم ذات مرة ينقل حجراً على بطنه استقبله أُسيد بن حضير فقال: يا رسول الله أعطني أحمل عنك قال صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم : لا، اذهب فاحمل غيره.

ــــــــــــ

(١) راجع السيرة النبوية: ١ / ٤٩٤.

(٢) ابن خلدون: المقدمة / ٢٨٣، وتاج العروس: ٢ / ٨٥ .

(٣) تأريخ الطبري (الأمم والملوك) : ٢ / ١١٠ ـ ١١٤.


وتمّ أيضاً بناء دار للرسول صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم ولأهل بيته ولم يكن البناء ذا كلفة كبيرة فقد كان بسيطاً كحياتهم، ولم ينس النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم الفقراء الذين لم يجدوا لهم مسكناً يأوون إليه فألحق لهم مكاناً بجانب المسجد(١) .

وأصبح المسجد مرتكزاً في حياة المسلمين العبادية والحياتية فعّالاً في بناء الفرد والمجتمع.