التخطيط لسجن الإمام عليه السلام

لسنا الآن بصدد التعرض إلى تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام وتأثيره في الأمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبنى حكمه على أصول مشروعة ليخطط لسجن الإمام عليه السلام وبالتالي اغتياله، هذا فضلاً عن كون الرشيد قد قطع على نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم.

وينبغي أن نفرق بين الأسباب الواقعية وبين الأسباب التي كان يتذرع بها الرشيد لتبرير سلوكه العدائي مع الإمام عليه السلام .

ــــــــــــ

(١) الفصول المختارة: ٤٢ ووردت المناظرة باختصار في عيون إخبار الرضا: ٢ / ١٥.

(٢) الكشي: ٢٧٤ ح ٤٩٣ في الخلود في الجنة وعدمها.

(٣) كمال الدين: ٢/٣٦٢ ـ ٣٧٠ وعنه في بحار الأنوار: ٤٨ / ١٩٩ ح ٧.


لقد أصبح الإمام بعد عقد من حكم الرشيد وجوداً ثقيلاً على هارون لقوة تأثيره في الأمة واتساع الامتداد الشيعي حتى وجدناه يقدر المتطوعين في جيش الإمام بمئة ألف سيف. من هنا ضاق صدره وأزعجه انتشار صيت الإمام لأن الناس غدت تتناقل مآثر الإمام وعلمه وأخلاقه.

وكانت حادثة زيارة هارون لقبر الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ولقاء الإمام به بحيث أغضب الرشيد حتى قال بعدها مخاطباً الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : (بأبي أنت وأمي، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه، إني أُريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً يسفك بها دماءهم)(١) .

وكان للوشاة دورٌ سلبي ضد الإمام عليه السلام فلقد تحرك يحيى بن خالد قبل ذلك ليهيئ مقدمات الاعتقال للإمام فأغرى ابن أخ الإمام محمد بن إسماعيل أو علي بن إسماعيل لغرض الوشاية بالإمام.

لنلاحظ موقف الإمام السامي إزاء تصرف ابن أخيه الشنيع بعد أن استجاب محمد لإغراء يحيى والتقى بالطاغية في بغداد وطعن بالإمام عليه السلام بما يرغب به الرشيد.

عن علي بن جعفر بن محمد عليه السلام قال: (جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر(٢) يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى عليه السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه، ويوصيه بوصية.

قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ وخرج وهو وقت يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه.

قال: فلما خرج قلت له: إنّ ابن أخيك محمد بن إسماعيل سألك أن تأذن له بالخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن له عليه السلام .

فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عمّ أحب أن توصيني.

فقال عليه السلام :أوصيك أن تتقي الله في دمي .

فقال: لعن الله من يسعى في دمك ثم قال: يا عم أوصني فقال عليه السلام : أوصيك أن تتقي الله في دمي.

ــــــــــــ

(١) عيون أخبار الرضا: ٧٣ ح ٣ والغيبة للطوسي: ٢٨ وعن العيون في بحار الأنوار: ٤٨/٢١٣ ح ١٣.

(٢) في بعض الروايات (محمد بن إسماعيل) وفى بعضها (علي بن إسماعيل).


قال: ثمّ ناوله أبو الحسن صرة فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه صرة أُخرى فيها مئة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمئة درهم كانت عنده.

فقلت له في ذلك، واستكثرته. فقال:هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .

قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه من قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب: انزل أولاً وغيّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك عليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال: أُعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي. فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض: موسى بن جعفر بالمدينة يُجبى له الخراج، وأنت بالعراق يُجبى لك الخراج؟! فقال: والله ؟! فقال: والله! قال: فأمر له بمئة ألف درهم فلما قبضها وحُمل إلى منزله، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحوّل من الغد المال الذي حُمل إليه)(١) .

هذه هي بعض الأساليب التي كان قد خطط لها يحيى بإيعاز من الرشيد.

وأخيراً تم اعتقال الإمام عليه السلام بسرعة وإخفاء وتعمية على الأمة لئلاً تعرف محل سجن الإمام عليه السلام .

ــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال: ٢٦٣ ح ٤٧٨ وراجع أصول الكافي: ١/٨٥ ح ٨ ، واللفظ هنا له وفي الإرشاد: ٢/٢٣٧ والغيبة للطوسي: ٢٧ وفي مناقب آل أبي طالب: ٤/٣٣٢ باسم علي بن إسماعيل، وفي: ٤/٣٥٢ باسم محمد بن إسماعيل. وعن الكشي في بحار الأنوار: ٤٨/٢٣٩ ح ٤٨.