أمّا أبو مسلم الخراساني الذي قاد الانقلاب على الأمويين في خراسان ، وتمّ تأسيس الدولة العباسية على يديه نجده في الأشهر الأولى من انتصار العبّاسيين وإعلان البيعة لأبي العباس السفاح بالكوفة يكتب للإمام الصادق عليه السلام رسالة يريد بها البيعة للإمام عليه السلام فقد جاء فيها : إنّي قد أظهرت الكلمة ، ودعوت الناس عن موالاة بني أُميّة إلى موالاة أهل البيت فإن رغبت فلا مزيد عليك(١) .

لا شك أنّ أبا مسلم الخراساني المعروف بولائه وإخلاصه للعباسيين وهو صنيعتهم حينما تصدر رسالة من عنده بهذه اللهجة تعتبر مفاجأة ولابد أن تتأثّر بعوامل طارئة قد غيّرت من قناعاته ، سواء كانت تلك العوامل ذاتية أو موضوعية وإلاّ فما هي الجهة التي تربطه بالإمام عليه السلام ؟

لم يحدثنا التاريخ عن أي علاقة بينه وبين الإمام عليه السلام عقائدياً أو سياسياً سوى لقاء واحد لم يتم فيه التعارف بينهما أو التفاهم نعم كان الإمام عليه السلام قد عَرِفه وذكر اسمه ومستقبله السياسي قبل إعلان العباسيين ثورتهم(٢) .

أمّا موقف الإمام من عرض أبي مسلم الخراساني فيمكن معرفته من جواب الإمام على الرسالة فقد جاء في جوابه عليه السلام ( ما أنت من رجالي ولا الزمان

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ٢٤١ ، وفي روضة الكافي : ٢٢٩ جوابه لرسول أبي مسلم بكتابه إليه وعنه في بحار الأنوار : ٤٧/٢٩٧ .

(٢) إعلام الورى : ٢/٥٢٨ وعنه في مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٥٩ وبحار الأنوار : ٤٧/٢٧٤ ح١٥ .


زماني ) (١) .

كلمات مختصرة ومعبّرة عن تفسير الإمام للمرحلة وتشخيصه لأبي مسلم ; لأنّ أبا مسلم لم يكن من تربية الإمام ، ولا من الملتزمين بمذهبه ، فهو قبل أيام قد سفك من الدماء البريئة ما لا يُحصى وقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أو الحجاج ؟ قال : لا أقول إنّ أبا مسلم كان خيراً من أحد ولكنّ الحجاج كان شرّاً منه(٢) وكان لا يعرف أحداً من خط أهل البيت ومواليهم ; إذ كانت علاقته محصورة بدائرة ضيّقة كما قد حددها له مولاه إبراهيم الإمام عندما أمره أن لا يخالف سليمان بن كثير ، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان(٣) .

كما نجده بعد مقتل إبراهيم الإمام الذي كان يدعو له يتحوّل بولائه لأبي العباس السفّاح ومن بعده لأبي جعفر المنصور ، علماً أنّ العلاقة كانت بينه وبين المنصور سيئة وكان أبو مسلم يستصغر المنصور أيام حكومة السفّاح(٤) إلاّ أنّ المنصور ثأر لنفسه أيام حكومته فقتله شرّ قتلة .

أمّا المرحلة التي سادها الاضطراب فلم تكن في نظر الإمام عليه السلام وتقديره صالحة لتقبّل أطروحته إذ قال له : عليه السلام ( ولا الزمان زماني ) (٥) .