وفي أيام الوليد بن يزيد قُتل يحيى بن زيد أيضاً ، وذلك أنّ يحيى خرج من الكوفة بعد مقتل أبيه وتوجّه إلى خراسان ، فسار إلى الري ، ومنها أتى

ـــــــــــــــــ

(١) الحور العين : ١٨٨ .

(٢) مستطرفات السرائر : ٣/٥٥٠ فما بعدها .


سرخس ، ثم خرج ونزل بلخ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ولم يزل عنده حتّى هلك هشام وولي الوليد(١) .

وكتب والي الكوفة إلى نصر بن سيار يخبره بأنّ يحيى بن زيد موجود في منزل الحريش ، وهنا طلب نصر من الحريش بأن يسلّم إليه يحيى ، فردّ الحريش على الوالي نصر بن سيّار قائلاً : لا علم لي به ولهذا السبب ضُرب الحريش ستمائة سوط ثم قال الحريش : والله لو أنّه تحتَ قدميّ ما رفعتهما(٢) .

وبقيت أجهزة النظام تراقبه ، وجرت بعد ذلك حوادث يطول ذكرها ، وأخيراً أرسل نصر جيشاً يُقدّر بعشرة آلاف فارس وكان يحيى في سبعين رجلاً ، وفي المعركة الأخيرة أُصيب يحيى بسهم في جبهته فقُتل وقتل أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ عن آخرهم وأخذوا رأس يحيى وسلبوه قميصه(٣) وكان ذلك في سنة (١٢٥ هـ) وصُلب جسده الشريف بالجوزجان ، ولم يزل مصلوباً حتَّى ظهر أبو مسلم الخراساني فأنزله وصلّى عليه ودفنه(٤) .

وفي سنة ( ١٢٦ هـ ) قُتل الوليد بن يزيد من قِبل الأمويين أنفسهم وتوّلى الخلافة من بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك وفي هذه الفترة حدثت فوضى سياسيّة لم تُشهد من قبل حيث تحرّك كل مَن كان له أدنى طمع في الرئاسة ; لأنّ الأمّة في هذا الظرف كانت مستعدة لأن تستجيب لأيّ لافتة تدّعي العدالة ، وتريد الانتقام من الأمويين ، فكانت تتقبل هذه الدعوات بلا فحص ولا تدقيق ؛ ولهذا ظهرت في هذا الظرف مذاهب سياسية شتّى !

ـــــــــــــــــ

(١) زيد بن علي ، للسيد عبد الرزاق المقرم : ١٧٦ .

(٢) الكامل لأبن الأثير : ٥/١٢٧ .

(٣) المصدر السابق .

(٤) المصدر السابق : ٥ / ١٢٧ .


وهذا الواقع السياسي لم يمكن مسكه ولا السيطرة عليه وتكريسه باتّجاه واحد من قِبل الإمام عليه السلام .

من هنا نجد أنّ موقفه عليه السلام من هذا الوضع كان موقف المصلح المرشد حيث نراه تارة يحذّر من الاندفاع وراء أهل المذاهب الأخرى ، وتارة يدعو للموقف الثوري لكن للّذي يعتمد العقيدة الصحيحة إن وجد .

فالإمام عليه السلام محيط بتفاصيل واقعه ; لأنّه كان على رأس حركة لم تكن وليدة الساعة ، وإن جاءت كردّ فعل للواقع المنحرف ولا تخفى عليه حركة التيارات الطارئة في هذا الظرف ولا الأطماع التي تحرّك رؤساءها .

فهو إذن يعلم جيداً ما كان يستتر خلف هذه اللافتات من نوايا وأهداف كشعار بني العباس الذي خدعوا به الأمة ، من هنا حذّر الإمام عليه السلام من الانسياق وراء تلك الدعوات ، وأكّد ضرورة الالتزام بالقيم والمبادئ المفقودة ، وأعطى ملامح الخط السياسي الذي كان ينسجم مع المرحلة ، لكن ليس على حساب العمل الجهادي الذي يستهدف الأمويين ، وهذا ما شاهدناه من خلال مواقفه عليه السلام من ثورة زيد ودعمه لها .