وجمع زيد بن علي الأنصار والدعاة فأعلن ثورته والتحق به عدد غفير .

لكن المتتبّع للوضع السياسي والأخلاقي لتلك المرحلة ، يرى أنّ الاضطراب العقائدي والأخلاقي كان سمة من سمات ذلك العصر بالرغم من وجود قناعة كانت تعيشها الأمة وهي التذمّر من بني أمية وجورهم من جهة وتوجّههم إلى أنّ البديل السياسي المرتقب هو الخط العلوي الذي كافح الظلم وتحمّل ألوان العذاب من الحكم الأموي المنحرف لكنّ هاتين القناعتين ـ كما سترى ـ لا تفيان بكامل الشروط الموضوعية لنجاح الثورة .

غير أنّ الثورة على مستوى حاجة مسيرة الأمة تعتبر ضرورة اجتماعية وسياسية لئلاّ تتنازل الأمة مطلقاً للظالمين عن حقوقها وشخصيّتها ولتحافظ على هويّتها الإسلامية من حيث الحيوية والحساسية ضد الباطل بشكل عام .

من هنا كان العمل الثوري مفيداً للأمة وإن لم تنجح الثورة على المدى القريب وهكذا نجد الإمام عليه السلام مع علمه بنتائج الثورة يعمّق هذا المفهوم في

ـــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة : ٢/١٩٨ ـ ١٩٩ ، بحار الأنوار : ٤٧/١٤٨ .


نفوس الشيعة ويدعم الثّوار كما سنرى .

لقد فَجَّر زيد ثورته وحقَّق نصراً حاسماً ضد الأمويين بعد أن خاض حرباً طاحنة كادت أن تنتهي لصالح زيد لولا وقوع الفتنة في صفوف أتباعه حيث احتال عليه بعض مَن كان يهوى هشاماً فدخلوا عليه وقالوا : ما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فقال زيد : رحم الله أبا بكر وعمر صاحبي رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ثم قال : أين كنتم قبل اليوم ؟

لقد كان الغرض من إلقاء السؤال في ذلك الموقف الحرج وفي ساحة الحرب هو أحد أمرين وفي كليهما نجاح تلك الخدعة وتحقيق تلك المؤامرة ، فإما أن يتبرّأ زيد من الشيخين فيكون حينئذ أقوى لقتل زيد ; لأنّه يسيء القول في الشيخين وتلك وسيلة اتّخذها الأمويون ومن بعدهم للقضاء على خصومهم وإمّا أن لا يتبرأ ممّن ظلم أهل البيت حقّهم فيكون جوابه على أيّ حال سبباً لإيجاد الخلاف بين أصحابه .

وبالفعل نجحت المؤامرة وتفرّق أهل الغدر وذوو الأطماع وكانت هذه الحيلة من الوالي يوسف بن عمر أقوى سلاح لجأ إليه ، كما أغرى بعض جواسيسه بالأموال ليتعرّف على أصحاب زيد(١) .

وخُذِل زيد وتفرق جيشه حتَّى قال : أراها حسينية وبعد قَتله حملت جثته وصلبت بالكناسة بالكوفة(٢) وذلك في سنة ( ١٢١ هـ ) .

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٨/٢٧٧ .

(٢) النزاع والتخاصم للمقريزي : ٣١ ، وأنساب الأشراف : ٣ / ٤٣٩ و ٤٤٦ .