وأوصى الإمام محمد الباقر عليه السلام إلى ولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام بعدة وصايا كان من بينها ما يلي:

١ ـ أنه قال له:يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً ، فقال له الإمام الصادق:جُعلت فداك والله لأدعنهم، والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً (١) .

٢ ـ أوصى ولده الصادق عليه السلام أن يكفّنه في قميصه الذي كان يصلي فيه(٢) ليكون شاهد صدق عند الله على عظيم عبادته، وطاعته له.

٣ ـ أنه أوقف بعض أمواله على نوادب تندبه عشر سنين في منى(٣) . ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن منى أعظم مركز للتجمع الإسلامي، ووجود النوادب فيه مما يبعث المسلمين إلى السؤال عن سببه، فيخبرون بما جرى على الإمام أبي جعفر عليه السلام من صنوف التنكيل من قبل الأمويين واغتيالهم له، حتى لا يضيع ما جرى عليه منهم ولا تخفيه أجهزة الإعلام الأُموي.

وسرى السم في بدن الإمام أبي جعفر عليه السلام ، وأثّر فيه تأثيراً بالغاً، وأخذ يدنو إليه الموت سريعاً، وقد اتجه في ساعاته الأخيرة بمشاعره وعواطفه نحو الله تعالى، فأخذ يقرأ القرآن الكريم، ويستغفر الله، فوافاه الأجل المحتوم ولسانه مشغول بذكر الله فارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها، تلك الروح التي أضاءت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام والتي لم يخلق لها نظير في عصره.

وقد انطوت برحيله أروع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أمدّت المجتمع الإسلامي بعناصر الوعي والازدهار.

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٣٠٦.

(٢) صفة الصفوة: ٢/٦٣، تاريخ ابن الوردي: ١/١٨٤، تاريخ أبي الفداء: ١/٢١٤.

(٣) بحار الأنوار: ١١/٦٢.


وقام ولده الإمام الصادق عليه السلام بتجهيز الجثمان المقدس فغسّله وكفنه، وهو يذرف أحر الدموع على فقد أبيه الذي ما أظلت على مثله سماء الدنيا في عصره علماً وفضلاً وحريجة في الدين.

ونقل الجثمان العظيم ـ محفوفاً بإجلال وتكريم بالغين من قبل الجماهير ـ إلى بقيع الغرقد، فحفر له قبراً بجوار الإمام الأعظم أبيه زين العابدين عليه السلام وبجوار عم أبيه الإمام الحسن سيد شاب أهل الجنة عليه السلام وأنزل الإمام الصادق أباه فى مقرّه الأخير فواراه فيه، وقد وارى معه العلم والحلم، والمعروف والبر بالناس.

لقد كان فقد الإمام أبي جعفر عليه السلام من أفجع النكبات التي مُني بها المسلمون في ذلك العصر، فقد خسروا القائد، والرائد، والموجه الذي بذل جهداً عظيماً في نشر العلم، وبلورة الوعي الفكري والثقافي بين المسلمين.

والمشهور بين الرواة أنه توفي وعمره الشريف ٥٨ سنة.

وكانت سنة وفاته ـ بحسب الرأي المشهور ـ سنة ١١٤ هـ.