لقد كان مسلم بن عقيل - رضوان الله تعالى عليه - يحمل رسالةً ساميةً وأخلاقاً فاضلة اكتسبها من بيت النبوّة، كما كان يملك درايةً بكلّ تقاليد وأعراف المجتمع الذي كان يتحرّك فيه، ففي موقف كان يمكن فيه لمسلم ابن عقيل أن يغتال ابن زياد رفض ذلك لاعتبارات شتّى.

فقد روي أنّ شريك بن الأعور حين نزل في دار هانىء بن عروة مرض مرضاً شديداً، وحين علم عبيد الله بن زياد بذلك قدم لعيادته، وهنا اقترح شريك على مسلم أن يغتال ابن زياد، فقال: إنّما غايتك و غاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك الله منه وهو صائر إليّ ليعودني، فقم وأدخل الخزانة حتى إذا اطمأنّ عندي فاخرج إليه فاقتله، ثم صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه،

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 45، والفصول المهمة: 197، والفتوح لابن أعثم: 5 / 67.

(2) مروج الذهب: 2 / 89، والأخبار الطوال: 213، وإعلام الورى: 1 / 438.


فإنّه لا ينازعنّك فيه أحد من الناس.

ولمس مسلم كراهية هانىء أن يقتل عبيد الله في داره، ولم يأخذ مسلم باقتراح شريك، وحين خرج عبيد الله قال شريك بحسرة وألم لمسلم: ما منعك من قتله؟ قال مسلم: منعني منه خلّتان: أحدهما كراهية هانىء لقتله في منزله، والاُخرى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن)(1) .