واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحقّ، فاندفع بوحي من إيمانه و عقيدته إلى نصرة الإمام، فعقد مؤتمراً عامّاً دعا فيه القبائل الموالية له وهي: 1 - بنو تميم. 2 - بنو حنظلة. 3 - بنو سعد.

وانبرى فيهم خطيباً فكان ممّا قال: إنَّ معاوية مات، فأهونْ به واللهِ هالكاً ومفقوداً، ألا إنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه، و هيهات الذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة للمسلمين، ويتأمرّ عليهم بغير رضىً منهم مع قصر حلم وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطأ قدميه، فأُقسم بالله قسماً مبروراً لَجِهادُه

____________________

(1) بحار الأنوار: 44 / 339، وأعيان الشيعة: 1 / 590.

(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 300، والآية (60) من سورة الروم.


على الدين أفضل من جهاد المشركين.

وهذا الحسين بن عليّ وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل. له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف. وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه، وقِدمه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . يعطف على الصغير، ويُحسن إلى الكبير، فأكرم به راعي رعية، و إمام قوم و جبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة. فلا تعشوا عن نور الحقّ، و لا تسكعوا في وهد الباطل... والله لا يُقصِّر أحدكم عن نصرته إلاّ أورثه الله الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته، وها أنا قد لَبَسْتُ للحرب لامَتها وادَّرَعْتُ لها بِدِرْعِها. من لم يُقْتَلْ يَمُتْ، و مَن يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب).

ولما أنهى النهشلي خطابه; انبرى وجهاء القبائل فأظهروا الدعم الكامل له، فرفع النهشلي رسالة للإمام عليه السلام دلّت على شرفه ونبله و هذا نصها:

(أمّا بعد، فقد وصل إليَّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ودليل على سبيل نجاة، و أنتم حجّة الله على خلقه ووديعتُه في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمدية، هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشد تتابعاً في طاعتك من الإبل الضمأى لورود الماء يوم خمسها، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، و غسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقُها فلمع)(1) .

ويقول بعض المؤرّخين: إنّ الرسالة انتهت إلى الإمام عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم بعد مقتل أصحابه وأهل بيته، وهو وحيد فريد قد أحاطت

____________________

(1) اللهوف: 38، وأعيان الشيعة: 1 / 590، وبحار الأنوار: 44 / 339.


به القوى الغادرة، فلمّا قرأ الرسالة قال عليه السلام : (آمنك الله من الخوف، وأرواك يوم العطش الأكبر).

ولمّا تجهّز ابن مسعود لنصرة الإمام بلغه قتله فَجَزع لذلك، وذابت نفسه أسىً وحسرات(1) .