وقد عرف الناس في مختلف الأقطار امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن البيعة، فاتّجهت إليه الأنظار و بخاصّة أهل الكوفة، فقد كانوا يومذاك من أشدّ الناس نقمةً على يزيد و أكثرِهم ميلا إلى الإمام عليه السلام فاجتمعوا في دار سليمان ابن صرد الخزاعي فقام فيهم خطيباً فقال: (إنَّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم

____________________

(1) تأريخ ابن عساكر: 13 / 68.

(2) الأخبار الطوال: 209.

(3) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 58.


تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه، فاكتبوا إليه وأعلموه، وإنْ خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه، فكتبوا إليه:

(بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن عليّ عليهما‌ السلام من سليمان بن صرد والمسيّب بن نَجَبَة ورفاعة بن شدّاد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.

سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو.

أمَّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضىً منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُوْلةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام غيرك، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ، وانّ النعمان بن بشير في قصر الإمارة، وإننا لم نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى).

ثم سرّحوا بالكتاب مع عبد الله بن مِسْمَع الهَمْداني و عبد الله بن وال وأمروهما بالنجاء(1) ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مُسْهِر الصيداوي وعبد الله وعبد الرحمن ابني

____________________

(1) النجاء: السرعة.


شداد الأرحبي وعمارة بن عبد السَلولي إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفةً من الرجل والاثنين والأربعة، ثم لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي، وكتبوا إليه:

(بسم الله الرحمن الرحيم

للحسين بن علي عليهما‌ السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين.

أمَّا بعد، فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام).

ثم كتب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رُوَيْم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي:(أمَّا بعد، فقد اخضرّ الجَناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّدة، والسلام) (1) .

جواب الإمام عليه السلام على رسائل الكوفيّين:

تتابعت كتب الكوفيّين كالسيل إلى الإمام الحسين عليه السلام وهي تدعوه إلى المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويين وبطشهم، وكانت بعض تلك الرسائل تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخّر عن إجابتهم، ورأى الإمام - قبل كلّ شيء - أنْ يختار للقياهم سفيراً له يُعَرّفُه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم، وقد اختار ثقته و كبير أهل بيته مسلم بن عقيل، وهو من أمهر الساسة

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 38، وروضة الواعظين: 171، وتذكرة الخواص: 213، وتأريخ الطبري: 4 / 262، والفتوح لابن أعثم: 5 / 33، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 195.


وأكثرهم قدرةً على مواجهة الظروف الصعبة والصمود أمام الأحداث الجسام، وزوّده برسالة رويت بصور متعدّدة، من بينها النصّ الذي رواه صاحب الإرشاد، وهي كما يلي:

(بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين:

أمّا بعد، فإنّ هانئاً و سعيداً قَدِما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قَدِمَ عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقبلْ لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى، وإنّي باعث إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإنْ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأيُ ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمتْ به رسلُكم، وقرأتُ في كتبكم فإنّي أقدمُ إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحقّ الحابسُ نَفسه على ذات الله، والسلام)(1) .