احتشد الجيشان في صفيّن، وبَذَلَ الإمام علي عليه السلام العديد من المساعي لتفادي وقوع الحرب مع معاوية، إلاّ أنّها لم تفلح، ممّا اضطرّ الإمام عليّاً عليه السلام لخوض غمار حرب استمرت عدة أشهر، وراح خلالها ـ ضحيةً لسلطوية معاوية ـ الآلاف من المسلمين والمؤمنين .

وكان للإمام الحسن عليه السلام دور بارز في حرب صفّين، فقد نقل المؤرّخون: أنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عندما نظّم صفوف جيشه جعل الميمنة بقيادة الإمام الحسن عليه السلام وأخيه الإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل(٢) ، وفي هذه الأثناء أراد معاوية أن يجسّ نبض الإمام الحسن عليه السلام فبعث إليه عبيد الله بن عمر يمنّيه بالخلافة ويخدعه حتى يترك أباه عليه السلام فانطلق عبيد الله، فقال له : لي إليك حاجة .

فقال له عليه السلام : نعم، ما تريد؟

فقال له عبيد الله : "إنّ أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً، وقد شنؤوه فهل

__________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٢٨٣ .

(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ٣ / ١٦٨ .


لك أن تخلفه ونولّيك هذا الأمر؟"(١) .

فأجابه الإمام الحسن عليه السلام بكلّ حزم : "كلا والله لا يكون ذلك"(٢) ، ثم أردف قائلاً : "لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك، أما إنّ الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتى أخرجك مخلقاً بالخلوق(٣) وترى نساء أهل الشام موقفك، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً"(٤) .

ورجع عبيد الله إلى معاوية وهو خائب حسير قد أخفق في مهمته، وأخبره بحديث الإمام عليه السلام فقال معاوية : "إنّه ابن أبيه"(٥) .

وخرج عبيد الله في ذلك اليوم إلى ساحة الحرب يقاتل مع معاوية، فلقي حتفه سريعاً على يد رجل من قبيلة همدان، واجتاز الإمام الحسن عليه السلام في ساحة المعركة، فرأى رجلاً قد توسّد رجلاً قتيلاً وقد ركز رمحه في عينه وربط فرسه في رجله، فقال الإمام عليه السلام لمن حوله : اُنظروا من هذا؟ فأخبروه أن الرجل من همدان وأنّ القتيل عبيد الله بن عمر(٦) .

ومن الواضح أنّ هذا الحادث من كرامات الإمام الحسن عليه السلام حيث أخبر عن مصير عبيد الله قبل وقوعه، وأنبأه بنهايته الذليلة، وقد تحقّق ذلك بهذه السرعة .