لقد توفّي الرسول الأعظم محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وحدث بعده ما حدث من استئثار القوم بالأمر، وتنصيب أبي بكر خليفةً على المسلمين، وإقصاء علي ابن أبي طالب عليه السلام عن محلّه الطبيعي الذي أهّله الله سبحانه وتعالى له، وتعرض فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت النبي الأعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة ما كان النبي قد ملّكها في حال حياته، وما دار بينها وبين أبي بكر من مساجلات واحتجاجات حول هذا الموضوع، حتى طلب منها أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدّعيه، فجاءت بأمير المؤمنين عليه السلام وبالحسنين عليهما‌ السلام وباُم أيمن ( رضي الله عنها)، ولكنّ أبا بكر ردّ الشهود، ورفض إرجاع حقّها إليها .

إنّ استشهاد الزهراء البتول ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ بالحسنين عليهما‌ السلام ـ وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير ـ لم تكن لِتُصدِر ولا لِتورِدَ إلا وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف، وذلك بمرأىً وبمسمع من المسلمين، وبتأييد ورضىً من سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، كلّ ذلك كان له دلالة تامة على أهليتهما لأداء الشهادة في مناسبة كهذه، مع أنّهما كانا آنذاك لا يتجاوز عمرهما السبع السنوات .

إنّ إعطاءهما دوراً بارزاً في قضية كبيرة كهذه، لم يكن أمراً عفوياً، ولا منفصلاً عن الضوابط التي تنتظم مواقف أهل البيت عليهم السلام ، وإنما كان امتداداً لمواقف النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم منهما، في مجال إعدادهما، ووضعهما في مكانهما الطبيعي وعلى المستوى القيادي للأُمة .