كان الإمام عليه السلام طامحاً حتى آخر لحظة قبل نشوب القتال أن يرتدع الناكثون عن غيّهم ، فلم يأذن بالقتال رغم ما شاهد من إصرار زعماء الفتنة على المضي في الحرب ، فقال عليه السلام لأصحابه :(لا يرمينّ رجل منكم بسهم ، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح حتى اُحدث إليكم ، وحتى يبدؤوكم بالقتال والقتل) (٣) .

وشرع أصحاب الجمل بالرمي فقتل رجل من أصحاب الإمام ، ثمّ قتل ثانٍ وثالث ، عندها أَذِنَ عليه السلام (٤) بالردّ عليهم والدفاع عن الحقّ والعدل .

التحم الجيشان يقتتلان قتالاً رهيباً ، فتساقطت الرؤوس وتقطّعت الأيادي وأثخنت الجراحات في الفريقين ، ووقف أمير المؤمنين ليشرف على ساحة المعركة فرأى أصحاب الجمل يستبسلون في الدفاع عن جملهم فنادى بأعلى صوته :(ويلكم اعقروا الجمل فإنّه شيطان ...) .

فهجم الإمام عليه السلام وأصحابه حتى وصلوا الجمل فعقروه ، ففرّ من بقي من أصحاب الجمل من ساحة المعركة فأمر عليه السلام بعد ذلك بحرق الجمل وتذريّة رماده في الهواء لئلاّ تبقى منه بقية يفتتن بها السذّج والبسطاء ، ثمّ قال الإمام عليه السلام :لعنه الله من دابّة ، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل .

ومدّ بصره نحو الرماد الذي تناثر في الهواء فتلا قوله تعالى :( ... وَانظُرْ إِلَى‏ إِلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لّنُحَرّقَنّهُ ثُمّ لَنَنسِفَنّهُ فِي الْيَمّ نَسْفاً ) (٥) .

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ٩١ ، ومروج الذهب ٢ / ٢٧٠ .

(٢) الطبقات الكبرى : ٣ / ١٥٨ ، والإمامة والسياسة : ٩٧ .

(٣) شرح النهج : ٩ / ١١١ .

(٤) الإمامة والسياسة : ٩٥ .

(٥) طه (٢٠) : ٩٧ .