مضت عائشة في خطّتها لإثارة الفتنة والدخول في المواجهة المسلّحة مع الإمام عليّ عليه السلام الخليفة الشرعي ، فحشدت أعداداً من الناس يدفعهم الحقد والكراهية للإسلام وللإمام عليّ عليه السلام ويحدوهم الطمع بالدنيا ونيل السلطان ، وجهّزهم يعلى بن منية بمستلزمات الحرب من السيوف والإبل التي سرقها من اليمن عندما عزله الإمام عنها ، وقدم عليهم عبد الله بن عامر بمال كثير من البصرة

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٧٠ .

(٢) شرح النهج : ١ / ٢٣٢ .

(٣) تأريخ الطبري : ٣ / ٤٧١ ط مؤسسة الأعلمي .


سرقه أيضاً(١) وجهّزوا لعائشة جملها المسمّى (عسكر) وقد احتفّ بها بنو أمية وهي تتقدّم أمام الحشد الزاخر متوجّهين نحو البصرة ، تسبقهم كتبهم التي أرسلوها إلى عدد من وجوه البصرة ، يدعونهم فيها للخروج على بيعة الإمام عليه السلام بدعوى المطالبة بدم عثمان(٢) .

وبدرت سمة المكر والخداع ـ التي تكاد تكون ملازمة لكلّ من ناوأ الإمام عليّاً عليه السلام ـ من زعماء الفتنة ، فلمّا خرجوا من مكّة أذّن مروان بن الحكم للصلاة ، ثمّ جاء حتّى وقف على طلحة والزبير محاولاً إثارة الوقيعة بين الرجلين وغرس فتنة ليستغلّها إن تمكّن من الأمر ، فقال : على أيّكما أُسلِّم بالإمرة وأُؤذَّن بالصلاة ، فتنافس أتباع الرجلين كلّ يريد تقديم صاحبه ، فأحسّت عائشة بوقوع التفرقة فأرسلت أن يصلّي بالناس ابن أختها عبد الله بن الزبير .

وحين وصل جيش عائشة إلى منطقة (أوطاس) ؛ لقيهم سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة ، وحين علم سعيد بدعوى عائشة (الطلب بدم عثمان) استهزأ ضاحكاً وقال : فهؤلاء قتلة عثمان معك يا أم المؤمنين(٣) ! .

وروي : أنّ سعيداً قال : أين تذهبون وتتركون ثأركم وراءكم على أعجاز الإبل(٤) ؟! ، يقصد بذلك طلحة والزبير وعائشة ، ووصل الجيش إلى مكان يقال له : (الحوأب) فتلقّتهم كلاب الحيّ بنباح وعواء ، فذعرت عائشة وسألت محمد بن طلحة عن المكان فقالت : أيّ ماء هذا ؟ فأجابها : ماء الحوأب يا أم المؤمنين فهلعت وصرخت : ما أراني إلاّ راجعة ، قال : لِمَ ، قالت : سمعت رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يقول لنسائه : كأنّي بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب وإيّاك أن تكوني يا

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ٧٩ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٢٠٧ .

(٢) الإمامة والسياسة : ٨٠ ، الكامل في التأريخ : ٣ / ٢١٠ .

(٣) الإمامة والسياسة : ٨٢ .

(٤) الكامل في التأريخ : ٣ / ٢٠٩ .


حميراء(١) ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : ردّوني ، أنا والله صاحبة ماء الحوأب ، فأناخوا حولها يوماً وليلة ، وجاءها عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله انه ليس ماء الحوأب ، وأتاها ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك(٢) فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام .