كان معاوية يتمتّع بسيطرة إدارية على شؤون الشام ، ولديه أجهزة يستطيع بها أن يحرّكها وفق رغباته وأهوائه ، وما كانت لديه مشكلة مع جماهير الشام لأنّ بلاد الشام منذ عرفت الإسلام عرفت آل أبي سفيان ولاة عليها من قبل الخليفة ، فقبله كان أخوه يزيد والياً عليها ، كما أنّ بلاد الشام بعيدة عن عاصمة الخلافة ممّا أعطاه قدراً كافياً من الاستقرار والقوّة وبدأ معاوية تحرّكه السياسي لتأجيج الفتنة المشتعلة بسبب مقتل عثمان ، ومن ثَمَّ ليستثمرها لصالحه ، فخاطب الزبير وطلحة بصيغة تحرّك فيهما الأطماع والرغبات للدخول في الصراع الجديّ ضدّ الإمام عليه السلام فتزداد الفتنة في العاصمة المركزية فكتب رسالة إلى الزبير جاء فيها :

لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك ، أمّا بعد ، فإنّي قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنّه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهر الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفركما الله وخذل مناوئكما(٢) .

ولمّا وصلت رسالة معاوية إلى الزبير ؛ خفّ لها طرباً واطمأنّ إلى صدق نيّة معاوية ، واتفق هو وطلحة على نكث بيعة الإمام والخروج عليه ، فأظهر الحسرة

ــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ: ٢٠٩/٣.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد: ٢٣١/١.


والتأسف على بيعتهما للإمام مردّدين : بايعنا مكرهين ، وما أن وصلت إلى أسماعهما صيحة عائشة محرّضة على الإمام ؛ حتى اجتهدا في إيجاد الحيلة للخروج إليها وروي أنّهما جاءا يطلبان من الإمام المشاركة في الحكم فلم يتوصّلا إلى شيء ، فقرّرا الالتحاق بعائشة ثمّ عادا ثانية إلى الإمام عليه السلام ليستأذناه للخروج للعمرة ، فقال لهما الإمام عليه السلام :نعم، والله ما العمرة تريدان وإنّما تريدان أن تمضيا لشأنكما (١) وروي أنّه عليه السلام قال لهما :بل تريدان الغدرة (٢) .

لقد أجمع رأي الخارجين على بيعة الإمام عليه السلام في بيت عائشة في مكّة بعد أن كانوا متنافرين متحاربين في عهد عثمان ، فضمّ الاجتماع الزبير وطلحة ومروان بن الحكم على أن يتّخذوا من دم عثمان شعاراً لتعبئة الناس لمحاربة الإمام عليّ عليه السلام ، فرفعوا قميص عثمان كشعار للتمرّد والعصيان ، وأنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو المسؤول عن إراقة دم عثمان ، لأنه آوى قتلته ولم يقتصّ منهم ، وقرّروا أن يكون زحفهم نحو البصرة واحتلالها واتّخاذها مركزاً للتحرّك ومنطلقاً للحرب ، حيث أنّ معاوية يسيطر على الشام ، والمدينة لا زالت تعيش حالة الاضطراب(٣) .