كان الإمام عليّ عليه السلام يرى أن من أوليّات مهامّه بعد غياب الرسول الأعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم هو صيانة الشريعة المقدسة من الزيغ والانحراف ورعاية شؤون الدّولة الإسلامية حتى تستمر من دون تلكؤ أو توقّف ، وقد بذل جهده في ذلك أثناء حكم الخلفاء متغاضياً بمرارة وألم عن حقّه في إدارة شؤون الأمة مباشرة ، وما أن أمسك زمام الحكم ؛ حتى خطا خطوات عظيمة في إحياء سنّة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وفي الدعوة إلى الحياة في ظلّها ، واهتم اهتماماً كبيراً بالقرآن الكريم وتفسيره وتربية الأمة وإصلاح الفساد أَينما وجد ، ويمكننا أن نلحظ الخطوات التي قام بها الإمام عليّ عليه السلام كما يلي :

١ ـ فتح باب الحوار والسؤال عن القرآن والسنّة وكلّ ما يتعلّق بالشريعة المقدّسة أمام الجماهير المسلمة وبصورة علنية وعامّة من دون أن يتردّد حتى في جواب مخالفيه وأعدائه الحاقدين عليه .

٢ ـ الاهتمام بالقرّاء مراعياً لشؤونهم ومتّبعاً فيهم سنّة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في التعليم ، فكان تعليم قراءة القرآن مقروناً بتعلّم ومعرفة ما فيه من العلم والعمل والتفقّه في أحكام الدين .

ــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة (٥٠) .


٣ ـ الاهتمام بقراءة المسلمين من غير العرب ، أو من الذين لا يحسنون اللغة العربية بصورة صحيحة ، فوضع علم النحو لتقويم اللسان عن اللحن في الكلام(١) .

٤ ـ دعا الإمام عليه السلام إلى رواية السنّة النبوية وتدوينها ومدارستها ، فكان يقول :(قيّدوا العلم بالكتابة) (٢) وأمر عليه السلام بالبحث في علوم السنّة فيقول :(تزاوروا وتدارسوا الحديث ولا تتركوه يدرس) (٣) .

٥ ـ ركّز الإمام على مصدرية القرآن والسنّة في التشريع والأحكام ، وأدان المصادر الأخرى كالاستحسان والقياس وغيرهما ممّا لا يكون مصدراً شرعياً للأحكام الإلهية(٤) .

كما أنّ الإمام عليه السلام أحيى سنّة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في سيرته العبادية والأخلاقية ، فعالج البدع التي طرأت على الشريعة نتيجة اجتهاد وإبداع من سبقه من الخلفاء(٥) .

٦ ـ استطاع الإمام أن يبني ثلّةً صالحةً من المؤمنين تتحرّك في المجتمع الإسلامي للمساهمة في قيادة التجربة الإسلامية والمحافظة على المجتمع الإسلامي .

ويبدو أنّ الإمام عليّاً عليه السلام بدأ عملياً في هذا المسار منذ حياة الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وبأمر منه ، فنجد أن النبيّ كان يُوكل مهمّة تعهّد ورعاية من يجد فيهم الرغبة والوعي في التحرك الإسلامي إلى الإمام علي عليه السلام ، وكان صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يحثّ على التمسّك في العمل بخط عليّ حتى تكوّنت جماعة عرفت بشيعة عليّ في حياة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مثل : عمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، والمقداد بن الأسود ، وعبد الله بن عباس ، ممّن ثبتوا على هذا الخطّ رغم كلّ الظروف الصعبة التي مرّت بها التجربة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

وحين استلم أمير المؤمنين عليه السلام الخلافة ؛ احتفّت به جماعة من المؤمنين الأوفياء الأشدّاء ، فازداد الإمام عليه السلام اعتناءً بهم وأعدّهم إعداداً رسالياً خاصاً ، وأودعهم علوماً شتّى في مختلف نواحي الحياة ،

ــــــــــــ

(١) الأغاني : ١٢ / ١٣ ، الفهرست لابن النديم : ٥٩ ، وفيات الأعيان ك ٢ / ٢١٦ ، والبداية والنهاية ك ٨ / ٣١٢ .

(٢) الطبقات الكبرى : ٦ / ١٨٦ ، وتدوين السنّة الشريفة للسيد الجلالي : ١٣٧ .

(٣) كنز العمال ك ١٠ حديث ٢٩٥٢٢ .

(٤) نهج البلاغة : الخطبة (١٢٥) .

(٥) صحيح مسلم : كتاب صلاة التراويح ، ومسند أحمد : ٥ / ٤٠٦ ، وصحيح البخاري : كتاب الخمس : باب ٥ / حديث ٢٩٤٤ ، وسنن أبي داود : ٢ / حديث ١٦٢٢ .


وقام هؤلاء الصحابة الأجلاّء بدورهم في دعم الرسالة الإسلامية ومساندة الإمامة والمحافظة على الشريعة من الزيغ والانحراف والاندثار ، فكانت مواقفهم رائعة وبطولية مقابل الحكّام الطواغيت والمتسلّطين بغير حقّ على أمور المسلمين ، ومن هؤلاء : مالك الأشتر ، كميل بن زياد النخعي ، محمد بن أبي بكر ، حجر بن عدي ، عمرو بن الحمق الخزاعي ، صعصعة بن صوحان العبدي ، رشيد الهجري ، هاشم المرقال ، قنبر ، سهل بن حُنيف وغيرهم .