أَلمَّ الحزن والأسى بقلب الإمام عليّ عليه السلام ، وساورته الشكوك والمخاوف من موقف عمر وترشيحه ، فأيقن أنّ في الأمر مكيدةً دبّرت لإقصائه عن الخلافة وحرف الحكومة الإسلامية عن مسارها الصحيح ، وما إن خرج الإمام عليه السلام من عند عمر ؛ حتى تلقّاه عمّه العباس فبادره قائلاً :

يا عمّ ، لقد عُدِلَتْ عنّا ، فقال العباس : من أعلمك بذلك ، فقال عليّ عليه السلام : قُرن بي عثمان ، وقال عمر : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٣ / ٢٨٩ و ٢٩٠ ط مؤسسة الأعلمي .


الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون ، فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني(١) .

وصدق تفرّس الإمام عليه السلام فقد آلت الخلافة إلى عثمان بتواطؤ عبد الرحمن ، فقد روي أنّ سعداً وهب حقّه في الشورى لابن عمّه عبد الرحمن ، ومال طلحة لعثمان فوهب له حقّه ، ولم يبق إلاّ الزبير فتنازل عن حقّ لصالح الإمام عليه السلام ، وهنا عرض عبد الرحمن أن يختار الإمام أو عثمان فقال عمار : إن أردت ألاّ يختلف المسلمون فبايع عليّاً ، فردّ عليه ابن أبي سرح : إن أردت ألاّ تختلف قريش فبايع عثمان فتأكّد التوجّه غير السليم للخلافة وبدت أعراض الانحراف واضحة جلية تؤجّجها نار العصبية .

فعرض عبد الرحمن بيعته بشرط السير على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وسيرة الشيخين ، فرفض الإمام سيرة الشيخين وقبلها عثمان فتمّت له البيعة ، فقال عليّ عليه السلام لعبد الرحمن :(حبوته حبو دهره ، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) (٢) (والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقَّ الله بينكما عطر منشم) (٣) .

ثمّ التفت عليه السلام إلى الناس ليوضّح لهم خطأهم المتكرّر في الاستخلاف ورأيه في مصير الرسالة الإسلامية فقال :

(أيّها الناس ! لقد علمتم أنّي أحقّ بهذا الأمر من غيري ، أما وقد انتهى الأمر إلى ما

ــــــــــــ

(١) المصدر السابق : ٥ / ٢٢٦ .

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩٧ ط مؤسسة الأعلمي .

 (٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ١٨٨ .


ترون ، فو الله لأُسالمنّ ما سَلِمَتْ أمورالمسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة ، التماساً لأجرِ ذلك وفضلِه ، وزهداً فيما تنافَسْتُموه من زُخرفه وزِبْرجه) (١) .

إنّ الإمام عليه السلام دخل مع الباقين في الشورى وهو يعلم بما ستؤول إليه ، محاولة منه لإظهار تناقض عمر ومن سار على نهجه عند وفاة النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم حين كان يرى أنّه لا تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد ، أمّا الآن فقد رشّح الإمام عليه السلام للخلافة .

روي عن أمير المؤمنين : (ولكنّي أدخل معهم في الشورى لأنّ عمر قد أهَّلني الآن للخلافة ، وكان قبل ذلك يقول : إنّ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : إنَّ النبوّة والإمامة لا يجتمعان في بيت ، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته)(٢) .