نظام الشورى الذي وضعه عمر كان عارياً عن الصحّة والصواب يحمل التناقض بين خطواته ، فإنّنا نلاحظ فيه أُموراً يبعده عن الدقّة والموضوعية :

١ ـ إنّ الأعضاء المقترحين للشورى لم يحصلوا على هذا الامتياز بالأفضلية وفق ضوابط الانتخاب حيث لم تشترك القواعد الشعبية في الترشيح والانتخاب ، وإطلاق كلمة الشورى على هذا النظام جزاف ، لأنّه لم يكن إلاّ ترشيح فرد لجماعة وفرضهم على الأمة ومن ثَمّ أمر باجتماعهم تحت التهديد بالقتل والسلاح حتى يختاروا أحدهم .

٢ ـ عناصر الشورى متنافرة في تركيب شخصياتها وأفكارها ، ولا يمثّل كلّ فرد فيهم إلاّ رأيه الشخصي ، فكيف يمكن أن يعبّر عن رأي الأمة ؟ وقد نشب

ــــــــــــ

(١) كيف هم يدخلون الجنة ـ حسب نقل عمر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مع أنّ عبد الرحمن فرعون هذه الأمة وطلحة صاحب الكبر والنخوة والزبير مؤمن الرضا كافر الغضب ؟!

(٢) الإمامة والسياسة : ٤٣ .


الخلاف فيما بينهم من بعد الشورى ممّا فرّق شمل المسلمين(١) .

٣ ـ الاستهانة بالأنصار ودورهم ، فقد طلب عمر حضورهم ولا شيء لهم بل ولا رأي ، فالأمر منحصر في الستّة فما معنى حضور الأنصار ؟ بل إنّ عمر استهان بالأمة كلّها حين تمنّى حياة سالم وأبي عبيدة .

٤ ـ إنّ عمر ناقض نفسه في عمليّة اختيار العناصر ، ففي السقيفة كان يدّعي ويصرّ على أنّ الخلافة في قريش ، بينما نجده في هذا الموقف يتمنّى حياة سالم مولى أبي حذيفة ليوليه الأمر ، كما أنّه استدعى أصحاب الشورى دون غيرهم من الصحابة بدعوى أنّ الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مات وهو راضٍ عنهم أو أنّهم من أهل الجنّة ، ولكنّه نسب اليهم عيوباً لا تجتمع مع الرضا عنهم ويتنزّه عنها أهل الجنة ثم إنّه أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيام ، لأنّ إمامة المصلّين لا ترتبط بالخلافة ولا تستلزمها ، وقد كان يناضل يوم السقيفة من أجل استخلاف أبي بكر ، وكات صلاته المزعومة دليله الأول على أهليّة أبي بكر للخلافة .

٥ ـ إنّه أراد أن يستخلف عليّاً عليه السلام لأنّه سيحمل الأمة على النهج القويم والمحجّة البيضاء ، ولكنّه رأى في المنام ما رأى ، فأعرض عن الإمام عليه السلام وكأنّه أراد بذلك التشويش على مكانة الإمام وأهليّته .

٦ ـ إنّ عمر قال : أكره أن أتحمّلها ـ يقصد الخلافة ـ حيّاً وميّتاً ، ولكنّه عاد فحدّد ستّة أشخاص من اُمّة كبيرة ، فأكّد بذلك نزعته في الاستعلاء على الأمة وقدراتها .

٧ ـ اختيار العناصر الستّة يبدو مبيّتاً بحيث يصل الأمر إلى عثمان باحتمالية أكبر من وصولها إلى الإمام عليّ عليه السلام وهو العنصر المؤهّل من الله ورسوله لخلافة الأمة ، فترشيح طلحة هو إثارة وتأكيد لأحقاد تيم ، لأنّ الإمام نافس وعارض أبا بكر في خلافته وها هو الآن ينافس مرشّحها الجديد طلحة ، وترشيحه لعثمان تأكيد منه على أحقاد أمية وإثارة نزعة السلطان والوجاهة لديها ، وأمّا ترشيحه لعبد الرحمن وسعد فهو فتح جبهة سياسية جديدة منافسة للإمام عليّ عليه السلام فهما من بني زهرة ولهما نسب أيضاً مع بني أمية ، فسوف يكون ميلهما لصالح عثمان لو تنافس مع الإمام عليه السلام .

ــــــــــــ

(١) أنساب الأشراف : ٥ / ٥٧ ، وتذكرة الخواص : ٥٧ ، والنص والاجتهاد : ١٦٨ .


٨ ـ إنّه أمر بقتل أعضاء الشورى في حالة عدم التوصّل إلى اتّفاق أو إبداء معارضة وإصرار ، وكيف يمكن التوفيق بين هذا وبين قوله : إنّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مات وهو راضٍ عنهم ؟ وهل تكون مخالفة رأي عمر موجبة لقتل الصحابة(١) ؟