إذا كانت السقيفة وبيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها ـ كما قال عمر ـ ؛ فإنّ الشورى أشدّ فتنةً وأكبر انحرافاً عن مسير الرسالة الإسلامية ، فقد امتُحن المسلمون فيها امتحاناً عسيراً ، وزرعت لهم الفتن والمصاعب وجلبت لهم الويلات والخطوب ، وألقتهم في شرّ عظيم ، إذ تبيّن التآمر علناً لإقصاء الإمام عليٍّ عن الحكم وتسليم زمام الأمة الإسلامية بيد المنحرفين من دون واعز من الضمير أو حرص على المصير .

ــــــــــــ

(١) شرح النهج : ٩ م ٢٩ .

(٢) شيخ المضيرة أبو هريرة : ٨٤ .

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٤٧٩ ، وكنز العمال : ٦/٣٩.


فلمّا يئس عمر من حياته وأيقن برحيله عن الدنيا أثر الطعنات التي أصابته قيل له : استخلف علينا ، قال : والله لا أحملكم حيّاً وميّتاً ، ثمّ قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي ـ يعني أبا بكر ـ وإن اَدَع من هو خير منّي ـ يعني النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ـ(١) ، ثمّ أبدى أسفه وحسرته على بعض من شاركه مسيرته للخلافة فقال : لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته لأنّه أمين هذه الأمة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته لأنّه شديد الحبّ لله ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً .

قال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأُولّي رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى الإمام عليّ عليه السلام ـ ورهقتني غشية فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها ، فجعل يقطف كلّ غضّة ويانعة فيضمّه إليه ويصير تحته ، فعلمت أنّ الله غالب أمره ، ومتوفّ عمر ، فما أريد أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم عنهم : إنّهم من أهل الجنّة ، وهم : عليّ وعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ، فليختاروا منهم رجلاً ، فإذا ولّوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه(٢) ، وأمرهم أن يحبس هؤلاء الستّة حتى يولّوا أحدهم خلال أيام ثلاثة وأن يضرب عنق المخالف لاتّفاق الأغلبية أو الجناح المخالف للذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، وأن يصلّي صهيب بالناس ثلاثة أيام حتى تجتمع الأمة على خليفة ، وطلب أن يحضر شيوخ الأنصار وليس لهم من الأمر شيء(٣) .

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ٤١ قد عرفت سابقاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدع وقد عيّن خليفته مراراً كيوم الإنذار لعشيرته الأقربين وغدير خم وغيرهما .

(٢) تأريخ الطبري : ٣ / ٢٩٣ ط مؤسسة الأعلمي ، الكامل في التأريخ : ٣ / ٦٦ .

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩٤ ط مؤسسة الأعلمي ، طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٦١ ، والإمامة والسياسة : ٤٢ ، والكامل في التأريخ : ٣ / ٦٨.


وحين اجتمع أعضاء الشورى لدى عمر ، وجّه إليهم انتقادات لاذعة لا تدلّ على وضوح توجّه صحيح أو ارشاد إلى انتخاب يعين الأمة في أزمتها ، فقال : والله ما يمنعني أن استخلفك يا سعد إلاّ شدّتك وغلظتك مع أنّك رجل حرب ، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلاّ أنّك فرعون هذه الأمة ، وما يمنعني منك يا زبير إلاّ أنّك مؤمن الرضا كافر الغضب وما يمنعني من طلحة إلاّ نخوته وكبره(١) ، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته وما يمنعني منك يا عثمان إلاّ عصبيتك وحبّك قومك وأهلك وما يمنعني منك يا عليّ إلاّ حرصك عليها ، وإنّك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم(٢) .