ولمّا انصرف النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم راجعاً إلى المدينة ومعه تلك الحشود الغفيرة من المسلمين ؛ وصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّبُ فيها طرق أهل المدينة والعراق ومصر ، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل إليه الوحي عن الله بقوله :( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ) (٣) وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وقد ضمن الوحي للنبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن يكفيه شرّ الحاقدين والحاسدين من الناس ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من

ــــــــــــ

(١) الإرشاد للمفيد : ١ / ١٧٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٥ .

(٢) السيرة الحلبية : ٣ / ٢٨٣ ن والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٩١ .

(٣) المائدة (٥) : ٦٧ .


تأخّر عنهم في ذلك المكان الذي لم يكن منزلاً لأحد من قبله ، ولم يكن هو صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ينزل فيه لو لا خطاب الوحي له ، ثمّ وقف صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بين تلك الجموع وقال بصوت يسمعه الجميع :أيّها الناس كأنّي قد دعيت فأجبت ، إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض .. ثمّ قال :إنّ الله مولاي وأنا وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة ، وأخذ بيد عليّ عليه السلام وقال :( من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأَدر الحق معه حيث دار ، أَلا فليبلّغ الشاهد الغائب ) .

ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين الوحي بقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) .

فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :(الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلّي من بعدي) ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول :بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (١) .

وروي : أنّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أمر بنصب خيمة لعليّ عليه السلام وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل ذلك كلّهم حتّى من كان معه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم من أزواجه ونساء المسلمين(٢) .

ــــــــــــ

(١و٢) السيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية : ٣ / ٢٧٤ ، والمناقب لابن المغازلي الشافعي ك ١٦ ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : ٤٠ ، وينابيع المودة للقندوزي : ٤٠ .

وقد ورد حديث الغدير في مصادر كثيرة جدّاً يضاف لما ذكرنا منها : أسباب النزول للنيشابوري ، مطالب السؤول لكمال الدين الشافعي ، تفسير مفاتيح الغيب للرازي ، تفسير المنار لمحمّد عبده ، تفسير ابن شريح ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ، مسند الإمام أحمد ، ذخائر العقبى للطبري ، الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري وغيرها من الجوامع الحديثية والتأريخية والتفسيرية ، راجع الغدير للعلامة الأميني.