حين شرع الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بتكوين نواة المجتمع الإسلامي وأراد أن يزيد من تماسك عرى العلاقات بين أفراد المجتمع ؛ أخي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بين المسلمين في موقف صريح بيّن ليرسّخ مبدأً أساسياً من مبادئ الإسلام الحنيف ، وهو ما تتطلبه الدعوة الإسلامية في مرحلتيها السرية والعلنية ، فوقعت أوّل مؤاخاة في الإسلام في مكّة قبل الهجرة ، حيث آخى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وحين نتفحّص عملية المؤاخاة نجد أنّ الرسول ضمّ الشكل إلى الشكل والمثل إلى المثل(١) ، لأنّ الأخوة عملية استراتيجية واسعة ذات معاني ودلالات حركيّة في مسيرة الدعوة الإسلاميّة ، فعبر جسر الأخوة تتماسك العلاقات بين المسلمين كما تنضج الأفكار ويتحقّق الإبداع .

روي أنّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لمّا آخى بين أصحابه آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، ولم يؤاخِ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحد منهم(٢) .

فقال عليّ عليه السلام :يا رسول الله ! لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت بغيري ، فإن كان هذا من سخط عليَّ ؛ فلك العُتبى والكرامة .

فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي .

فقال عليه السلام :وما أرث منك ؟

ــــــــــــ

(١) كفاية الطالب للحافظ الكنجي : ١٩٤ .

(٢) الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : ٣٨ ، والغدير للعلاّمة الأميني : ٣ / ١١٢ .


قال صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :ما ورّث الأنبياء من قبلي ، كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة (١) .

وأمّا المؤاخاة الثانية فكانت في المدينة بعد الهجرة بأشهر قليلة(٢) .