لقد كان الإمام الرضا عليه السلام يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة أن بعض الأتقياء يحدّدون أيام وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن يعلم الإمام الرضا عليه السلام بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً.

وقد أخبر الإمام عليه السلام جماعة من الناس بأنّه سيدفن قرب هارون، بقوله عليه السلام : (أنا وهارون كهاتين)، وضم إصبعيه السبابة والوسطى(1) .

وكان هارون يخطب في مسجد المدينة والإمام حاضر، فقال عليه السلام :

____________________

(1) الكافي: 1/491، عيون أخبار الرضا: 2/225 - 226، والإرشاد: 2/258 وعنه في إعلام الورى: 2/60 والإتحاف بحب الأشراف: 158.


(تروني وإياه ندفن في بيت واحد)(1) .

وفي ذات مرّة، خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقال عليه السلام : (يا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعني وإياه)(2) .

وقال ابن حجر: أخبر بأنه يموت قبل المأمون، وأنّه يدفن قرب الرشيد فكان كما أخبر(3) .

وحينما أراد المأمون أشخاصه إلى خراسان، جمع عياله وكان عليه السلام يقول: (إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى اسمع، ثم فرقت فيهم اثنى عشر إلف دينار، ثم قلت: أما أني لا أرجع إلى عيالي أبداً)(4) .

وحينما أنشده دعبل الخزاعي قصيدته - بعد ولاية العهد - وانتهى إلى قوله:

(وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمّنها الرحمن في الغرفات

قال له الإمام عليه السلام : (أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الإمام عليه السلام : قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري...)(5) .

وقد تقدم أنه أخبر عن عدم إتمام ولاية العهد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/216 وكشف الغمة: 3/93 وإعلام الورى: 2/59 والإتحاف بحبّ الأشراف: 158.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/216 وفي إعلام الورى: 2/59 وعنه في كشف الغمة: 3/105، وفي الإتحاف بحبّ الأشراف: 158.

(3) الصواعق المحرقة: 309.

(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 218، إعلام الورى: 2/59 - 60.

(5) عيون أخبار الرضا: 2/263 - 264.