وكما أشرنا عند الحديث عن نظام «السفارة والنيابة الخاصة» في الغيبة الصغرى، فإن هذا النظام كان تمهيداً لإرجاع الأمة في الغيبة الكبرى الى الفقهاء العدول كممثلين له عليه السلام ينوبون عنهم كقيادة ظاهرة أمر بالرجوع إليها في توقيعه الصادر الى إسحاق بن يعقوب: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم».

وقد أشار الأئمة عليهم السلام من قبل الى هذا الدور المهم للعلماء في عصر الغيبة الكبرى، فمثلاً روي عن الامام علي الهادي عليه السلام أنه قال: «لولا مَن يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومَردته، ومِن فخاخ النواصب; لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دينه. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله»(٢) .

والمستفاد من قوله عليه السلام «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» أن الفقهاء العدول يمثلون في الواقع واسطة بين الاُمة والإمام ـ عجل الله فرجه ـ الأمر الذي يعني أن يحظى بعضهم ـ وخاصةً الذين يحظون بمكانة خاصة في توجيه الاُمة ودور خاص فكري أو سياسي في قيادتها ـ بتسديد من قبل

ـــــــــــ

(١) مفاتيح الأصول: ٤٩٦ ـ ٤٩٧، باب الاجماع.

(٢) الاحتجاج: ٢/٢٦٠ .


الإمام ـ عجل الله فرجه ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالخصوص في التحركات ذات التأثير على مسيرة الأمة وحركة الإسلام، فهو يتدخل بما يجعل هذه التحركات في صالح الأمة أو بما يدفع عنها الاخطار الشديدة الماحقة، وقد نقلت الكثير من الروايات الكاشفة عن بعض هذه التدخلات والتي لم تنقل أو لم تدون أكثر بكثير. وقسم منها يكون التدخل من قبل الإمام بصورة مباشرة وقسم آخر يكون بصورة غير مباشرة عبر أحد أوليائه(١) .