بدت سيطرة الإسلام على الجزيرة واضحة ولم يكن رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم ليلجأ إلى القوة والقتال إلاّ بعد إعذار وإنذار، بل وفي أكثر الوقائع كان قتال المسلمين دفاعاً، على أن بعض قوى الشرك لا تعي الحق ولا تهتدي سبيلاً إلاّ بعد عنف وقوة وتهديد ووعيد.

وحين عاد المسلمون إلى عاصمة دولتهم ـ المدينة المنورة ـ سيّر النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم عدة سرايا لتطهير البلاد من أماكن الوثنية وأصنام الشرك.

ولقوة المسلمين والانتصارات المتلاحقة بدأت كل قبائل الجزيرة وزعمائها يسمعون بآذان صاغية نداء الإسلام ووضوح أهدافه وهدايته، فأخذت الوفود تقدم إلى المدينة لتعلن إسلامها بين يدي رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم ـ لذلك سمي هذا العام بعام الوفود (٢) ـ وكان النبي يستقبلهم ويحسن إليهم ويرسل لهم من يعلمهم فرائض القرآن وشرائع الإسلام.

إسلام قبيلة ثقيف :

أملت ظروف النصر الإلهي على كل عاقل أن يتدبر أمره ويحكّم عقله تجاه الإسلام. وكانت حكمة الرسول بالغة إذ أجّل فتح الطائف يوم امتنعت ثقيف فيها وها هي اليوم ترسل وفدها لتعلن إسلامها بعد أن عاندت وكابرت وقتلت سيداً من سادتها (عروة بن مسعود الثقفي) يوم جاءها مسلماً يدعوها إلى الدين الجديد.

ــــــــــــ

(١) السيرة النبوية: ٢٠ / ٥٣٠، بحار الأنوار: ٢٠ / ٢٥٣.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود .


ورحب النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم بمقدم الوفد الثقفي وضربت لهم قبة في ناحية المسجد النبوي وكلّف صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم خالد بن سعيد ليقوم بمهام التشريفات ثم بدأ الوفد يفاوض النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم على الإسلام بشروط هي: أنه يترك صنم القبيلة مدة من الزمن وأبى النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم إلا التوحيد الناصع الخالص لله وتنازل القوم شيئاً فشيئاً حتى قبلوا الإسلام بشرط أن يعفيهم النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم عن كسر أصنامهم بأنفسهم كما شرطوا عليه أن يعفيهم من الصلاة فقال النبيّ صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم :(لا خير في دين لا صلاة فيه) ، فقبلوا الإسلام وبقي الوفد مع النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم مدة من الزمن يتعلمون أحكام الدين. ثم كلف رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة أن يذهبا إلى الطائف لهدم الأصنام فيها(١) .