قال الشيخاني: واستشهد علي العسكري في آخر ملك المعتزّ بالسمّ(١) ، وقال الطبري الإمامي: في آخر ملك المعتز استشهد وليّ الله... مسموماً(٢) .

لما اعتلّ أبو الحسن الهادي عليه السلام علته التي توفي فيها في سنة أربع وخمسين ومئتين أحضر ابنه أبا محمد الحسن عليه السلام وأعطاه النور والحكمة ومواريث الأنبياء ونص عليه وأوصى إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضى عليه السلام وله أربعون سنة ودفن بسرّ من رأى(أي في مدينة سامراء في العراق)، وقام الإمام العسكري بتجهيز والده من غسله وتكفينه والصلاة عليه وحمل جنازته مع جم غفير من الناس ودفنه في داره حيث المرقد الشريف الآن في سامراء يقصده المسلمون من كافة أقطار الأمة الإسلامية للتبرك والدعاء ووفاءً لرسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم .

ويصف لنا المسعودي مراسم ومظاهر تشييع الإمام عليه السلام واجتماع خلق كثير في داره فيقول: حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار، وقد اجتمع فيها جملة من بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة، ولم يظهر عندهم أمر أبي محمد ولا عرف خبره إلاّ الثقات الذين نص أبو الحسن عندهم عليه.

ــــــــــــ

(١) الصراط السويّ: ٤٠٧.

(٢) دلائل الإمامة: ٢١٦.


فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيدة، فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر: يابشر، خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان، وقل هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح في صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد عليه السلام ، حاسراً مكشوف الرأس، وعليه مبطنة بيضاء، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل، وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلاّ قام على رجله ووثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد، فعانقه، ثم قال له: مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئاً إلاّ العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن فقال أبو محمد عليه السلام :ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد ـ العسكري ـ فنهض فصلَّى عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى أُخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا، وقد كان أبو محمد صلَّى عليه قبل أن يخرج إلى الناس ويصلي عليه المعتمد(١) . ثم دفن في دار من دوره(٢) .

ويمكن أن يُستفاد من هذه الرواية: أن هذا الجمع الغفير المشارك فضلاً عن رجال البلاط العباسي، يكشف عن المكانة العالية والتأثير الفاعل للإمام في الأمة والدور الكبير الذي قام به في حياته، فضلاً عن أن حضور ولاة العهد ربما يكون تغطية للجريمة البشعة التي قام بها الخليفة العباسي بدس السم إليه ومن ثم وفاته.

ــــــــــــ

(١) وفي رواية الطبري: صلَّى عليه أبو محمد بن المتوكل: ٧ / ٥١٩.

(٢) إثبات الوصية: ٢٠٦.