إنّ النفوذ الذي نجده للإمام الهادي عليه السلام هو النفوذ المعنوي على عامّة رجال السلطة بما فيهم مَن لا يدين بالولاية لأهل البيت عليهم السلام .

وقد كانت أساليب الإمام عليه السلام في هذا المجال متنوّعة وواسعة فإنّه كان مطالباً بالحضور في دار الخلافة بشكل مستمر .

ومن هنا كان التعرّف على شخص الإمام عليه السلام وهديه وسكونه واتّزانه أمراً طبيعياً وفّر له هذه الفرصة والتي لم يلتفت الحكّام إلى مدى تبعاتها وآثارها التي تركتها في الساحة الإسلامية العامة وروّاد البلاط بشكل خاص .

وقد كانت للإمام عليه السلام كرامات شتّى كلّما دخل وخرج من دار الخلافة .

وقد قال أحد ندماء المتوكل للمتوكل : ما يعمل أحد بك أكثر ممّا تعمله بنفسك في علي بن محمد ، فلا يبقى في الدار إلاّ مَن يخدمه ولا يتبعونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شيء ، وهذا إذا علمه الناس قالوا : لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا ، دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره فيمسّه بعض الجفوة .

فتقدم ألاّ يخدم ولا يشال بين يديه ستر ، وكان المتوكل ما رأى أحداً ممّن يهتم بالخبر مثله .

قال : فكتب صاحب الخبر إليه : أنّ علي بن محمد

ــــــــــــــ

(١) المناقب : ٣/٤٤٣ .


دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستر فهبّ هواء رفع الستر له فدخل .

فقال : اعرفوا حين خروجه ، فذكر صاحب الخبر أنّ هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج ، فقال : ليس نريد هواء يشيل الستر ، شيلوا الستر بين يديه(١) .

كما نجد جملة من الكتّاب والحجّاب والعيون وحتى السجّان ، فضلاً عن بعض القادة والأُمراء كانوا يدينون بالولاء والحبّ الخاص للإمام الهادي عليه السلام ، وقد رأينا في قصّة مرض المتوكل ونذر أُمّه للإمام الهادي عليه السلام (٢) ما يدل دلالة واضحة على مدى نفوذ الإمام عليه السلام في هذه الأوساط ، بينما كان المتوكّل قد خطّط لإبعاد الإمام عن شيعته ومحبّيه وإذا بالإمام عليه السلام يكتسح نفوذه المعنوي أرباب البلاط ويستبصر على يديه مجموعة ممّن لم يكن يعرف الإمام عليه السلام أو لم يكن ليواليه ، وكان الإمام عليه السلام يستفيد من هؤلاء في تحرّكه وارتباطاته التي خطّط الحكّام لمراقبتها أو قطعها وإبعاد الإمام عليه السلام عن قواعده وعن الوسط الاجتماعي الذي يريد أن يتحرّك فيه .

ــــــــــــــ

(١) مسند الإمام الهاديعليه‌السلام : ٣٩ .

(٢) راجع مبحث تفتيش دار الإمامعليه‌السلام في حكم المتوكلّ .