ومن خطبة له(عليه السلام)
قد تقدّم مختارها برواية ونذكرها هاهنا برواية أخرى لتغاير الروايتين
[التزهيد في الدنيا]


  أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ، وَآذَنَتْ بِانْقِضَاء، وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُها
(1)، وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ(2)، فَهِيَ تَحْفِزُ(3) بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا، وَتَحْدُو(4) بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا، وَقَدْ
____________
  
  1. تَنَكّرَ مَعْرُوفُها: خفي وجهها.
     2. حَذَّاء: ماضية، سريعة، وفي رواية «جذاء» أي مقطوعة الدّرِّ والخير.
  3. تَحْفِزُهم: تَدفعهم وتسوقهم.
  4. تَحْدُوـ بالواوبعد الدال ـ : تسوقهم بالموت إلى الهلاك.



أَمَرَّ
(1) مِنْها مَا كَانَ حُلْواً، وَكَدِرَ(2) مِنْهَا ما كَانَ صَفْواً، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الاِْدَاوَةِ(3)، أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ(4)، لَوْ تَمَزَّزَهَا )الصَّدْيَانُ(5) لَمْ يَنْقَعْ(6)، فَأَزْمِعُوا(7) عِبَادَ اللهِ الرَّحِيلَ عَنْ هذِهِ الدَّارِ المَقْدُورِ(8) عَلَى أَهْلِهَا الزَّوالُ، وَلاَ يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الاَْمَلُ، وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الاَْمَدُ.
 
____________
  1. أمَرّ الشيء: صار مُرّاً. 2. كدِر كدَراً ـ كفرح فَرَحاً وكدُر ـ بالضم كظرُف ـ كُدُورةً: تعكّرَ وتغير لونه واختلط بما لا يستساغ هو معه.
  3. السَمَلَة ـ محركة ـ : بقية الماء في الحوض، والاداوة: المَطْهَرَةُ، وهي إناء الماء الذي يُتَطَهّرُ به.
  4. المَقْلَة ـ بالفتح ـ : حَصاة يضعها المسافرون في إناء، ثم يصبون الماء فيه ليغمرها، فيتناول كل منهم مقدار ما غمره، يفعلون ذلك إذا قل الماء، وأرادوا قسمته بالسوية.
  5. التمزّزُ: الامتصاص قليلاً قليلاً، والصّدْيَانُ: العطشانُ.
  6. لم يَنْقَعْ: لم يُرْوَ.
  7. أزْمِعُوا الرحيلَ: أي اعزموا عليه، يقال: أزمع الامرَ، ولا يقال أزمع عليه.
  8. المقدور: المكتوب.


 

[ثواب الزهاد]


  فَوَاللهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ
(1)، وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ(2)، وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ(3) مُتَبَتِّلِي(4) الرُّهْبَانِ، وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلاَدِ، الِْتمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَة عِنْدَهُ، أوغُفْرَانِ سِيِّئَة أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ، وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ، لَكَانَ قَلِيلاً فَيَما أَرْجُو لَكُم مِنْ ثَوَابِهِ، وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ.

[نعم الله]


  وَتَاللهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلوبُكُمُ انْمِيَاثاً
(5)، وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَة إِلَيْهِ وَرَهْبَة مِنْهُ دَماً، ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا، مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ، مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ [عَنْكُمْ] ـ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ ـ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ، وَهُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلاِْيمَانِ.
____________
  1. الوُلّه العِجَال; الوُلّه: جمع وَالهة وهي كلّ أُنثى فَقَدتْ ولدها، وأصل الوَلَهِ: ذهابُ العقل، والعِجال من النّوق ـ جمع عَجُول ـ : وهي التي فقدت ولدها.
  2. هَدِيلُ الحمام: صوته في بكائه لفقد إلفه.
  3. جَأرْتُمْ: رفعتم أصواتكم; والجُؤار: الصوت المرتفع.
  4. المتبَتّل: المنقطع للعبادة.
  5. انماثت انمياثاً: ذَابَتْ ذَوَباناً.


 

ومنها: في ذكر يوم النحر وصفة الاضحية


  وَمِنْ تَمَامِ الاُْضحِيَةِ
(1) اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا(2)، وَسَلاَمَةُ عَيْنِهَا، فَإِذَا سَلِمَتِ الاُْذُنُ وَالْعَيْنُ سَلِمَتِ الاُْضْحِيِةُ وَتَمَّتْ، وَلَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ(3) تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى المَنْسَكِ(4).
____________
  1. الاضحية: الشاة التي طلب الشارع ذبحها بعد شروق الشمس من عيد الاضحى.
  2. اسْتِشراف أُذُنِها: نَفَقّدُها حتى لاتكون مجدوعة أومشقوقة.
  3. عَضْباء القَرْن: مكسورته.
  4. تَجُرّ رجلها إلى المنْسَك: أي عرجاء; والمنسك: المذبح.




المصدر:
نهج البلاغة