سُبْحانَ ذِي العِزِّ الشّامِخِ المُنيفِ ، سُبحانَ ذي الجَلال الباذِخ العظيم ، سُبحانَ ذي المُلكِ الفاخِرِ القَديم
والحمد لله الذي بِنِعمَتِه بَلَغتُ ما بلغتُ من العلم بِه والعملِ لهُ ، والرغبةِ إليهِ والطاعةِ لأمرِه . والحمد لله الذي لم يجعلني جاحداً لشئٍ من كتابِه ، ولا متحيّراً في شئٍ من أمرِه
والحمد لله الذي هداني لدينه ، ولم يجعلني أعبُدُ شيئا غيرَهُ.
اللهم اِنّي أسألُكَ قولَ التَّوابينَ وعملهُم ، ونجاةَ المُجاهدينَ وثوابَهُم ، وتصديقَ المؤمنينَ وتوكُّلَهُم ، والرَّاحَةَ عِندَ المَوتِ ، والأمنَ عند الحساب ، واجعل الموتَ خيرَ غائِبٍ أنتَظِرُهُ ، وخير مُطَّلَعٍ يُطَّلَعُ عَلَيَّ . وارزُقني عند حضور الموت وعند نزوله ، وفي غمراته ، وحين تنزلُ النَّفسُ من بين التَّراقي ، وحين تبلُغُ الحُلقوم ، وفي حال خروجي من الدنيا ، وتلك الساعة التي لا أملك لنفسي فيها ضرا ولا نفعا ، ولا شدة ولا رخاء ، رَوْحاً من رحمتك ، وحظّاً من رضوانِكَ ، وبُشرىً من كرامتك . قبل أن تتوفى نفسي ، وتقبض روحي ، وتُسلِّط ملك الموت على اخراج نفسي
وببشرى منك يا رب ليست من أحد غيرك ، تَثْلُجُ بِها صدري ، وتَسُرُّ بها نفسي ، وتَقِرُّ بها عيني ، ويَتَهَلَّلُ بِها وجهي ، ويَسْفُرُ بها لَوني ، ويطمئِنُّ بها قلبي ، ويتباشَرُ بها سائِرُ جسدي.
يَغبِطُني بها من حضَرَني من خَلقِك ، ومن سَمِعَ بي من عِبادِك ، تُهوِّنُ بها عليَّ سكرات الموت ، وتُفَرِّجُ عنّي بها كُرْبَتَهُ ، وتُخَفِّفُ بها عنِّي شِدَّتَهُ ، وتكشِفُ عنّي بها سُقْمَهُ ، وتَذهَبُ عنّي بها هَمَّهُ وحسرَتَهُ ، وتَعصِمُني بها من أَسَفِه وفِتَنِه ، وتُجيرُني بِها مِن شرِّه وشَرِّ ما يَحضُرُ أهْلَهُ ، وترزُقُني بها خَيرَهُ وخَيْرَ ما يحضُرُ عِندَهُ ، وخَيْرَ ما هُوَ كائِنٌ بَعْدَهُ.
ثم إذا تُوُفِّيَتْ نَفسي وقُبِضَتْ رُوحي ، فاجعل روحي في الأرواح الرّائِحة ، واجعل نفسي في الأنفس الصّالحة ، واجعل جسدي في الأجساد المُطَهَّرَة ، واجعل عملي في الأعمال المتقبّلة.
ثم ارزُقني-في خِطَّتي من الأرض- حِصَّتي وموضعَ جُنَّتي ، حَيثُ يُرْفَتُ لَحمي ، ويُدْفَنُ عَظمي ، وأُترَكُ وحيداً لا حيلَةَ لي.
قد لَفَظَتني البِلادُ وتَخَلّا مِنِّي العبادُ ، وافْتَقَرتُ إلى رَحْمَتْكَ واحْتَجْتُ إلى صالح عَمَلي ، وألقى ما مَهَّدْتُ لِنَفْسي ، وقَدَّمْتُ لآخرتي ، وعمِلتُ في أيَّامِ حياتي فوزاً مِن رَحْمَتِكَ ، وضِياءً من نُورِكَ ، وتَثبيتاً مِن كرامَتِكَ ، بالقَولِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنيا والآخِرَةِ ، انَّكَ تُضِلُّ الظَّالمين وتَفعَلُ ما تَشاءُ.
ثم بارك لي في البعث والحساب ، إذا انشَقَّتِ الأرْضُ عَنِّي ، وتَخَلّا العِبادُ مِنِّي ، وغَشِيَتْنِي الصَّيْحَةُ ، وأفزَعَتْنِي النَّفْخَةُ ، ونَشَرْتَني بَعدَ المَوتِ ، وبعثتني للحسابِ.
فابعث معي يا ربِّ نوراً من رحمتك ، يسعى بين يَدَيَّ وعن يميني ، تُؤمِنُني به ، وتَربِطُ بِه على قلبي ، وتُظهِرُ بِه عُذري ، وتُبَيِّضُ بِه وجهي ، وتُصَدِّقُ بِه حَديثي ، وتُفْلِجُ بِه حُجَّتي ، وتُبَلِّغُني بِهِ العُروَةَ القُصوى مِن رَحْمَتِكَ ، وتُحِلُّنِي الدَّرَجَةَ العُلْيا من جَنَّتِكَ وتَرْزُقُني به مُرافَقَةَ محمد النبي عبدك ورسولك ، في أعلى الجنة درجة ، وأبلَغِها فضيلة ، وأبرِّها عطيَّةً ، وأرفَعِها نَفْسَةً ، مع الّذين أنعمت عليهم من النَّبيّين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالِحين ، وحَسُنَ أولئِكَ رفيقاً.
اللهم صل علي محمد خاتم النبيين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، وعلى الملائكة أجمعين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أئمة الهدى أجمعين ، آمين رب العالمين .
اللهم صل على محمد كما هديتنا به ، وصل على محمد كما رحمتنا به ، وصل على محمد كما عززتنا به ، وصل على محمد كما فضّلتنا به ، وصل على محمد كما شرفتنا به ، وصل على محمد كما نصرتنا به ، وصل على محمد كما أنقذتنا به من شفا حفرة من النار .
اللهم بَيِّض وجهه ، وأعلِ كعبه ، وأفلِج حُجَّتَهُ ، وأتمِم نُورَه ، وثقّل ميزانه ، وعَظِّم بُرهانَه ، وافسَح لهُ حتى يَرضى ، وبلِّغه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، واجعله أفضل النبيين والمرسلين عندك منزلة ووسيلة.
واقصُصْ بنا أثرَه ، واسقِنا بِكَأسِه ، وأورِدنا حَوضَه ، واحشُرنا في زُمرَتِه ، وتَوَفَّنا على مِلَّتِه ، واسلُك بنا سُبُلَه ، واستَعمِلنا بِسُنَّتِه ، غِيرِ خَزايا ولا نادمين ، ولا شاكّين ولا مُبَدِّلين.
يا من بابه مفتوحٌ لداعيه ، وحِجابُهُ مَرفوعٌ لراجيه ، يا ساتر الأمر القبيح ومداوي القلب الجريح ، لا تفضحني في مشهد القيامة بمُوبقاتِ الآثام ، ولا تُعرضُ بِوَجهِكَ الكَريمِ عنّي من بينِ الأنام.
يا غاية المضطر الفقير ، ويا جابر العظم الكسير ، هب لي موبقات الجرائر ، واعْفُ عن فاضحات السَّرائِرِ ، واغسِل قَلبي من وِزْرِ الخَطايا ، وارزُقني حُسْنَ الاستعداد لِنُزُولِ المنايا.
يا أكرم الأكرمين ومنتهى أمنية السائلين ، أنت مولاي ، فتحت لي باب الدُّعاء والإنابَةِ ، فلا تُغلِقْ عَنّي بابَ القَبُولِ والإجابَةِ ، ونَجَّني برحمتك من النار ، وبَوَّئْني غُرُفاتِ الجِنانِ ، واجْعَلْني مُتَمَسِّكاً بالعُرْوَةِ الوُثْقى ، وَاخْتِم لي بالسَّعادَةِ.
واحيِني بالسَّلامةِ يا ذا الفَضْلِ والكَمالِ ، والعِزَّةِ والجَلالِ ، ولا تُشْمِتْ بي عَدُوّاً ولا حاسِداً ، ولا تُسَلِّطْ عَلَيَّ سُلطاناً عَنيداً ولا شَيطاناً مَريداً ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ الّا بالله العلي العظيم ، وصلى الله علي محمد واله وسلم تسليما.
المصدر:
الصحيفة الفاطمية