لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس .
ويُعد هذا التحوّل في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلاً على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأمة والمجتمع الإسلامي مع انشداد الغالبية المؤثّرة بالأئمة عليهم السلام
والقول
ــــــــــــــ
بمرجعيّتهم الفكرية والروحية ، وكانت ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام
أحد أوجه هذا التحوّل في السياسة والذي يعبّر عن ذكاء ودهاء المأمون في محاولته تلك للحد من تأثير الإمام عليه السلام
ووضعه قريباً منه لتحديد تحرّكه وتحجيم دوره ، إضافة لرصد تحرّكه وتحرّك القواعد الشعبية المؤمنة بقيادة أهل البيت عليهم السلام
ودورهم الريادي في الأمة ، فبعد استشهاد الإمام الرضا عليه السلام
عمد المأمون إلى إشخاص الإمام الجواد من المدينة إلى بغداد وتزويجه بابنته أُمّ الفضل مع احتجاج الأسرة العباسية على هذا التقريب والتزويج ، فالمأمون كان بعيد النظر في تعامله هذا ، وكان يرمي من ورائه إلى أهداف تخدمه وتضفي نوعاً من الشرعية على سلطته ، وقد خدع الأكثرية من أبناء الأمة بإظهاره الحبّ والتقدير للإمام الجواد عليه السلام
من أجل إزالة نقمتهم التي خلّفتها عهود الخلفاء قبله لاستبدادهم وبطشهم فضلاً عن إسرافهم في اللهو والترف وخروجهم عن مبادئ الإسلام الحنيف في كثير من مظاهر حياتهم الخاصة والعامة ، وممّا يؤكّد لنا وجهة النظر هذه في سياسة المأمون أنّه في عام (٢٠٤ هـ) وفي شهر ربيع الأول قدم بغداد ولباسه ولباس قوّاده وجنده والناس كلّهم الخضرة فأقام جمعة ـ أي سبعة أيام ـ ثم نزعها وأعاد لباس السواد
.
والذي كان قد أمر بنزعه بعد تولّيه الحكم والعهد بالولاية من بعده للإمام الرضا عليه السلام
سنة (٢٠١هـ)
والتي انتهت باستشهاد الإمام الرضا عليه السلام
بعد دسّ السمّ له سنة (٢٠٣ هـ) .
ــــــــــــــ