كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد ؛ لأنّ أحدهما كان يرى أن يولّي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون
.
وقد كان الأمين شديد البطش لكنّه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة ، والتي استمرت من سنة (٩٣ ـ ٩٨هـ) حيث تمكّن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد ، ومن ثمّ تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين ، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين .
وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكّن منها جيش الدولة ، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة ، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام (٢١٧ هـ)
.
ويصوّر أحد شعراء العصر العباسي الأوّل ـ من أهل بغداد وهو يُعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى ـ الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :
ــــــــــــــ
أضاع الخلافة غِشُّ الوزير
|
|
وفِسقُ الإمام ورأي المشير
|
وما ذاك إلاّ طريق الغرور
|
|
وشرّ المسالك طُرقُ الغرور
|
فعال الخليفة أعجوبة
|
|
وأعجب منه فعال الوزير
|
وأعجب من ذا وذا أنّنا
|
|
نبايع للطفل فينا الصغير
|
ومَن ليس يُحسن مسح انفه
|
|
ولم يخل من متنه حجرُ ظير
|
وما ذاك ، إلاّ بباغٍ وغاو
|
|
يريدان نقض الكتاب المنير
|
وهذان لولا انقلاب الزمان
|
|
أفي العير هذان أم في النفير
|
ولكنّها فتن كالجبا
|
|
ل نرتع فيها بصنع الحقير
|
ولمّا قُتل الأمين حُمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة ، وأعطى الجند ، وأمر كل مَن قبض رزقه أن يلعنه ، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس ، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : العن هذا الرأس فقال : لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم ، فقيل له : لعنت أمير المؤمنين ! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل ، وأمر بحطّ الرأس وردّه إلى العراق
.
وجابه حكم المأمون تحدّيات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :
١ ـ ثورة ابن طباطبا
سنة (١٩٩ هـ) بقيادة أبي السرايا .
وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجواد عليه السلام
وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وكادت
ــــــــــــــ
أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية ؛ إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
ويجعلهم قادة في جيشه ممّا أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته .
ووجّه إليه المأمون ، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل ، ولكنّ زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره ، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم ، واستولوا على ( واسط ) .
ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين ، فهرب أبو السرايا إلى القادسية ، ودخل هرثمة إلى الكوفة ، ثم قتل أبو السرايا ، وكان ذلك في سنة (٢٠٠ هـ)
.
٢ ـ ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
.
وفي سنة إحدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد ، وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة ؛ فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضا عليه السلام
في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمّه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر ، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه إبراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة
.
وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق أغراضه من فرض ولاية العهد ـ كما يريد ـ على الإمام الرضا عليه السلام
قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث
ــــــــــــــ
ومائتين
.
٣ ـ أحداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح
.
٥ ـ غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدّة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر
.
وامتدّت هذه الحروب أكثر من سنتين ، وقد أسرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام (٢١٧ هـ) .