وكان من مظاهر ذلك الإسراف والبذخ والتصرف الظالم في أموال
المسلمين ما أنفقه المأمون من الأموال الطائلة المذهلة في زواجه بالسيّدة بوران فقد
أمهرها ألف ألف دينار، وشرط عليه أبوها الحسن بن سهل أن يبني بها في قريته الواقعة
بفم الصلح فأجابه إلى ذلك، ولمّا أراد الزواج سافر إلى فم الصلح ونثر على العسكر
الذي كان معه ألف ألف دينار وكان معه في سفره ثلاثون ألفاً من الغلمان الصغار
والخدم الصغار والكبار وسبعة آلاف جارية... وعرض العسكر الذي كان معه فكان أربعمئة
ألف فارس، وثلاثمئة ألف راجل.. وكان الحسن بن سهل يذبح لضيوفه ثلاثين ألف رأس من
الغنم، ومثليها من الدجاج، وأربعمئة بقرة، وأربعمئة جمل وسمّى الناس هذه الدعوة
(دعوة الإسلام) وهو ليس من الإسلام في شيء، فإنّ الإسلام احتاط كأشدّ ما يكون
الاحتياط في بيت مال المسلمين فحرم إنفاق أي شيء في غير صالحهم.
ـــــــــ
وحينما بنى المأمون ببوران نثروا من سطح دار الحسن بن سهل
بنادق عنبر فاستخفّ بها الناس، وزهدوا فيها، ونادى شخص من السطح قائلاً: كلّ من
وقعت بيده بندقة فليكسرها فإنّه يجد فيها رقعة، وما فيها له وكسر الناس البنادق
فوجدوا فيها رقاعاً في بعضها تحويل بألف دينار وفي أخرى خمسمئة دينار إلى أن تصل
إلى المئة دينار، وفي بعضها عشرة أثواب من الديباج، وفي بعضها خمسة أثواب، وفي
بعضها غلام، وفي بعضها جارية، وحمل كلّ من وقعت بيده رقعة إلى الديوان واستلم ما
فيها كما أنفق على قادة الجيش فقط خمسين
ألف ألف درهم .
وفي ساعة الزفاف أُجلست بوران على حصير منسوج من الذهب ودخل
عليها المأمون ومعه عمّاته وجمهرة من العبّاسيّات فنثر الحسن بن سهل على المأمون
وزوجته ثلثمئة لؤلؤة وزن كلّ واحدة مثقال، وما مدّ أحد يده لالتقاطها، وأمر المأمون
عمّاته بالتقاطها، ومدّ يده فأخذ واحدة منها (فالتقطتها العبّاسيّات). لقد أنفق
الحسن والمأمون هذه الأموال الطائلة على هذا الزواج من بيت مال المسلمين، وقد أمر
الله بإنفاقه على مكافحة الفقر ومطاردة البؤس والحرمان.