برحمته الفياضة وبطيب قلبه المفعم حباً للإنسانية وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ذات يوم وقال لقريش:(يا من حضر إشهدوا أن زيداً هذا ابني)
. وانتقل زيد من رقّ العبودية إلى بنوة أكرم خلق الله وآمن زيد بالنبي المرسل صلى الله عليه وآله وسلم
من أول أيام البعثة المباركة إيماناً صادقاً. ومضت الأيام حتى بلغ زيد مرحلة الرجولة في ظل رعاية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
وبجرأة الثائر العظيم والمصلح الكبير اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم
زينب بنت جحش (ابنة عمته) زوجاً لزيد، فامتنعت أن تتنازل عن مكانتها الاجتماعية ونسبها الرفيع لتتزوج رجلاً سبق له أن كان رقّاً. ولكن إيمانها الصادق دفعها لتستجيب لأمر الله تعالى حيث يقول:(
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
)
.
وبذلك ضرب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
مثالاً رائعاً للقضاء على الأعراف الجاهلية البالية تطبيقاً لقيم الرسالة الخالدة. ولكن تفاوت الثقافة وتنافر الطباع حالا دون نجاح تجربة رائدة في مجتمع كان لا يزال يعاني من ترسّبات الجاهلية وتدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ليصلح ما فسد محاولاً أن لا يصل إلى طريق مسدود فقال لزيد:(أمسك عليك زوجك واتق الله)
وتكررت شكوى زيد من زينب فكان آخرها الطلاق.
ثم نزل الأمر الإلهي ليبطل ما تعارف عليه العرب من اعتبار الأدعياء (من ادعي بنوّتهم) أبناءً فقال تعالى:
(
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
ــــــــــــ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
)
، وأبقى لهم حقّ الموالاة والأخوة في الدين.
وأراد الله سبحانه أن ينسف هذا العُرف الباطل فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
أن يتزوج زينب بعد طلاقها من زيد، وإكمال عدّتها بعد أن نزلت الآيات الكريمة تحثّ النبي
صلى الله عليه وآله وسلم
على إبطال هذا العرف الجاهلي وأن لا يخشى الناس بل يمضي في تطبيق أحكام الله تعالى بكل شجاعة
.
ــــــــــــ