من الأجهزة الحساسة في الدولة العباسية هي الوزارة، فكانت ـ
على الأكثر ـ وزارة تفويض، فكان الخليفة يعهد إلى الوزير بالتصرف في جميع شؤون
دولته ويتفرغ هو للّهو والعبث والمجون، فقد استوزر المهدي العباسي يعقوب بن داود،
وفوّض إليه جميع شؤون رعيّته وانصرف إلى ملذّاته.
واستوزر الرشيد يحيى بن خالد البرمكي ومنحه جميع الصلاحيات
واتجه نحو ملاذّه وشهواته فكانت لياليه الحمراء في بغداد شاهدة على ذلك.
وتصرّف يحيى في شؤون الدولة الواسعة الأطراف حسب رغباته، فقد
أنفق الأموال الطائلة على الشعراء المادحين له، واتخذ من العمارات والضِياع التي
كانت تدرّ عليه بالملايين، الكثير الكثير وهي التي سببت قيام هارون الرشيد
باعتقاله، وقتل ابنه جعفر ومصادرة جميع أموالهم.
وفي عهد المأمون أطلق يد وزيره الفضل بن سهل في أمور الدولة
فتصرّف فيها كيفما شاء، وكان الوزير يكتسب الثراء الفاحش بما يقترفه من النهب
والرشوات، وقد عانت الأمة من ضروب المحن والبلاء في عهدهم مما لا يوصف فكانوا
الأداة الضاربة للشعب، فقد استخدمتهم الملوك لنهب ثروات الناس وإذلالهم وإرغامهم
على ما يكرهون.
وكان الوزراء معرّضين للسخط والانتقام وذلك لما يقترفونه من
الظلم والجور، وقد نصح دعبل الخزاعي الفضلَ بن مروان أحد وزراء العباسيين فأوصاه
بإسداء المعروف والإحسان إلى الناس، وقد ضرب له مثلاً بثلاثة وزراء ممّن شاركوه في
الاسم وسبقوه إلى كرسي الحكم، وهم الفضل بن يحيى، والفضل بن الربيع، والفضل بن سهل،
فإنهم لمّا جاروا في الحكم تعرّضوا إلى النقمة والسخط.
ومن غرائب ما اقترفه الوزراء من الخيانة أن الخاقاني وزير
المقتدر بالله العباسي ولّى في يوم واحد تسعة عشر ناظراً للكوفة وأخذ من كلّ واحد
رشوة إلى غير ذلك من هذه الفضائح والمنكرات
الكثيرة عند بعض وزراء العباسيين .
ـــــــــ