ساد الهدوء والاستقرار أجواء المدينة واضطرب المنافقون قلقاً من انكشاف أساليبهم وأيقنوا أن الدور القادم هو دور تحطيمهم. وفي هذا الظرف وردت أخبار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم
بأنّ غطفان تعدّ العدّة لغزو المدينة فأسرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والمسلمون في الخروج إليهم ولكنهم فوجئوا بالعدو قد أعدّ واستعدّ لملاقاتهم فتهيّب كل من الفريقين الآخر ولم يقع أي قتال. وفي هذه الغزوة صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
صلاة الخوف بالمسلمين إذ لم يتسنَّ لهم الغفلة عن العدو برهة من الزمن، وعاد المسلمون إلى المدينة دون قتال
، وسميت هذه الغزوة بـ (ذات الرقاع).
بدر الموعد ( بدر الصفراء ) مرّت الأيام الحرجة على المسلمين بسرعة وقد ازدادوا خبرة قتالية وتنزّلت عليهم أحكام الشريعة فتهذّبت العلاقات وانتظمت شؤون حياتهم في عامة جوانبها وازداد الإيمان رسوخاً وثباتاً وبرزت نماذج رائعة من الصمود والتضحية والفداء والإخلاص للدين الإسلامي وللاُمة المسلمة وأوشكت أن تنمحي آثار الانكسار في اُحد. وحلّ موعد التهديد الذي أطلقه زعيم الكفر أبو سفيان في اُحد حين قال: موعدنا وموعدكم بدر، قاصداً الانتقام لقتلى المشركين يوم بدر. فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في ألف وخمسمائة مقاتل من أصحابه وعسكر هناك ثمانية أيام ولم تفلح مساعي المشركين لتخويف المسلمين وثنيهم عن الخروج بل تملّكهم الخوف حين علموا بما عزم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والمسلمون فاضطر أبو سفيان إلى أن يخرج إلى الموعد المحدد ولكنه كرّ راجعاً بحجّة الجفاف والجدب المؤثر على الاستعداد العسكري. وبذلك وصمت قريش بعار الهزيمة والجبن وارتفعت معنويات المسلمين واستردّوا عافيتهم ونشاطهم.
ــــــــــــ
وبعد فترة قليلة أفادت الأخبار بأنّ سكان دومة الجندل يقطعون الطريق ويتجهزون لغزو المدينة، فخرج اليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بألف من المسلمين للقائهم، وما أن سمعوا بخروجه إليهم حتّى لاذوا بالفرار مخلّفين وراءهم ما كان معهم من غنائم فاستولى عليها المسلمون دون قتال
.