تتابعت النكبات على المسلمين حتى بدى للمنافقين وليهود المدينة أن هيبة المسلمين قد ضاعت، وأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بحكمته السياسية أن يحدّد ملامح التصرف الصحيح مع يهود (بني النضير) مبرزاً نواياهم، فاستعان بهم على دفع دية القتيلين. فتلقوه قرب مساكنهم مرحّبين به وبجماعة من المسلمين وهم يضمرون السوء، فطلبوا منه الجلوس ريثما يحققون له طلبه. فجلس مستنداً إلى جدار بيت من بيوتهم فأسرعوا ـ مستغلّين الفرصة ـ لإلقاء حجر عليه وقتله، فهبط الوحي عليه يخبره، فانسلّ من بينهم تاركاً الصحابة معهم، فاضطرب بنو النضير وأمسوا في حيرة من أمرهم وباتوا قلقين بشدة من سوء فعلتهم، وأسرع الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في المسجد يستطلعون سرّ عودته فقال صلى الله عليه وآله وسلم
: (همّت اليهود بالغدر بي فأخبرني الله بذلك فقمت)
.
وبذلك استحلّ الله دماءهم إذ نقضوا عهد الموادعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهمّوا بالغدر به فلم يكن لهم إلاّ الجلاء عن المدينة. وتدخّل زعيم النفاق عبد الله بن اُبي وغيره يمنّون بني النضير بعدم الامتثال لأمر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم
والثبات له ووعدهم بأ نّه وجماعته سيمدونهم مقابل النبي
صلى الله عليه وآله وسلم
ولن يخذلوهم، وتحصن بنو النضير في
حصونهم متمرّدين على أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
.
ــــــــــــ
واستخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ابن اُم مكتوم على المدينة حين علم بمساعي المنافقين وخرج لمحاصرة بني النضير واتّبع معهم اسلوباً اضطرّهم إلى التسليم والخروج بما تحمله إبلهم فقط أذلّةً خاسئين
وغنم المسلمون أموالاً وسلاحاً كثيراً ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
جمع المسلمين وعرض عليهم رأيه في أن تكون الغنائم للمهاجرين خاصة كي يتحقّق لهم الاستقلال الاقتصادي إلاّ سهل بن حنيف وأبا دجانة وهما من فقراء الأنصار فأعطاهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من هذه الغنائم
.