وبعد ما خلع الأمين أخاه المأمون عن ولاية العهد، وأبلغه ذلك رسمياً ندب إلى حربه علي بن عيسى، ودفع إليه قيداً من ذهب، وقال له: أوثق المأمون، ولا تقتله حتى تقدم به إلَيَّ وأعطاه مليوني دينار سوى الأثاث والكراع، ولمّا علم المأمون ذلك سمّى نفسه أمير المؤمنين، وقطع عنه الخراج، وألغى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير، وأعلن الخروج عن طاعته، وندب طاهر بن الحسين، وهرثمة بن أعين إلى حربه، والتقى الجيشان بالري، وقد التحما في معركة رهيبة جرت فيها أنهار من الدماء وأخيراً انتصر جيش المأمون على جيش الأمين، وقتل القائد العام للقوات المسلحة في جيش الأمين، وانتهبت جميع أمتعته وأسلحته، وكتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الباهر وقد جاء في رسالته: (كتبت إليك، ورأس علي بن عيسى في حجري، وخاتمه في يدي والحمد لله ربّ العالمين) ودخل الفضل على المأمون فسلّم عليه بالخلافة، وأخبره بالأمر، وأيقن المأمون بالنصر فبعث إلى طاهر القائد العام في جيشه بالهدايا والأموال، وشكره شكراً جزيلاً على ذلك، وقد سمّاه ذا اليمينين، وصاحب خيل اليدين، وأمره بالتوجه إلى احتلال العراق والقضاء على أخيه الأمين.
وخفّت جيوش المأمون إلى احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين، فحاصرت بغداد، وقد دام الحصار مدة طويلة تخرّبت فيها معالم الحضارة في بغداد، وعمّ الفقر والبؤس جميع سكانها وكثر العابثون، والشذّاذ فقاموا باغتيال الأبرياء، ونهبوا الأموال وطاردوا النساء حتى تهيأت جماعة من خيار الناس تحت قيادة رجل يقال له سهل بن سلامة فمنعوا العابثين وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد
.
وقد زحفت جيوش المأمون إلى قصر الأمين وطوّقته وألحقت الهزائم بجيشه، فلم تتمكّن قوّات الأمين من الصمود أمام جيش المأمون الذي كان يتمتّع بروح معنوية عالية بالإضافة إلى ما كان يملكه من العتاد والسلاح.