من مسؤوليات الأئمة عليهم السلام
- بعد إقصائهم عن الخلافة - الحفاظ على الوجود الإسلامي وحمايته أمام مؤامرات الأعداء والطامعين، فقد كانوا عليهم السلام
يبذلون ما بوسعهم من أجل ذلك، ويقومون بحل المسائل المستعصية على الحكّام من أجل إدامة الوجود والكيان الإسلامي، ومنعه من الانهيار والتفكك.
____________________
ومن ذلك كشف مؤامرة الفضل بن سهل، حيث إنه أراد قتل المأمون، فلم يسمع كلامه ولعنه وكان قصد الفضل هو السيطرة على الحكم، واستغلال الإمام عليه السلام
لإسكات المسلمين ويبقى الإمام عليه السلام
حاكماً محجوراً عليه في البلاط، ويكون الفضل هو الحاكم الفعلي، إضافة إلى ذلك فإن مثل هذا العمل يؤدّي إلى انقسام خطير في الكيان الإسلامي، وتفتيت لوحدة الأمة والدولة، فقام الإمام عليه السلام
بتحذير المأمون من الفضل وأن يتعامل معه بحيطة وحذر
لأن المقصود هو الكيان الإسلامي وليس شخص المأمون.
وقال له ذات يوم: (إن العامّة تكره ما فعلت بي، وإن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل، فالرأي لك أن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك)
.
واخبر المأمون بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قُتل أخوه، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه مِنَ الأخبار، وأن الناس - خصوصاً العباسيين - ينقمون عليك مكان الفضل وأخيه الحسن، ومكان يوم كان بيعتك لي من بعدك
.
وجاءت نصائح الإمام عليه السلام
له مطابقة للمصلحة الإسلامية الكبرى لأنّ الكيان الإسلامي معرض للانهيار والانحلال بإثارة الفتن الداخلية والحروب الدامية من أجل الحصول على كرسي الحكم.
وحينما قُتل الفضل بن سهل اتهم رجاله المأمون بقتله، فاجتمعوا على بابه فقالوا: اغتاله وقتله، فلنطلبن بدمه، فقال المأمون للإمام عليه السلام
: يا سيدي، ترى أن تخرج إليهم وتفرقهم، فخرج إليهم الإمام وقد اجتمعوا وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب، فصاح الإمام عليه السلام
بهم، وأومى إليهم بيده، فتفرقوا،
____________________
وأقبل الناس يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلاّ هرب مسرعاً، ومرّ ولم يقف له أحد
.
وقتلُ المأمون في تلك الظروف يعني انقسام الكيان الإسلامي إلى كيانات متعددة، فأنصار الفضل سيكون لهم كيان في خراسان، ويستقل الحسن ابن سهل بالبلاد التي بإمرته، وسيبايع العباسيون لإبراهيم بن المهدي المغني الشهير، إضافة إلى خلخلة أوضاع الجيش الذي يقطن في الثغور، ولهذا قام الإمام عليه السلام
بمنع إحراق بيت المأمون وقتله.