منح المأمون نوعاً من الحرية للإمام عليه السلام
للتحدث بما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وآراء سياسية، وأمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمام عليه السلام
أصحاب المقالات: ومنهم: الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، (معرّب: كاثوليك) ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زردشت، وعلماء الروم، والمتكلمين، وقد احتجّ الإمام عليه السلام
بالكتب المعتبرة عندهم، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمام عليه السلام
، بعد ان فنّد حججهم، فأذعنوا لقوله، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه.
وبعد جدال ونقاش طويل قال الجاثليق: (القول قولك، ولا اله إلاّ الله)
.
وبعد حوار طويل أسلم عمران الصابي وقال: (أشهد أن الله تعالى على ما وصفت ووحّدت، وأشهد أنّ محمداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خرّ ساجداً نحو القبلة).
ولما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي، وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط، لم يدن من الإمام عليه السلام
أحد منهم ولم يسألوه عن شيء
.
وفي مجلس آخر بعث المأمون على الإمام عليه السلام
ليناظر متكلم خراسان سليمان المروزي، فتناظرا في البداء، وصفات الله تعالى والفرق بين صفات ذات الله وصفات فعله، فأجابه الإمام عليه السلام
على جميع أسئلته، وكان يقطعه في الحجج إلى أن سكت لا يستطيع أن يجيب على آراء الإمام عليه السلام
، فقال المأمون
____________________
عند ذلك: (يا سليمان، هذا أعلم هاشمي)
.
وفي مجلس آخر جمع المأمون عدداً من علماء الأديان وأهل المقالات، فلم يتكلم أحد إلاّ وقد ألزمه الإمام عليه السلام
حجته، وقام إليه علي بن محمد بن الجهم، وأثار الشبهات حول عصمة الأنبياء عليهم السلام
اعتماداً على الآيات المتشابهة الواردة في القرآن الكريم، وأثار الشبهات حول عصمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأجابه الإمام عليه السلام
وأزال الشبهات عن ذهنه، واثبت له بالعقل والنقل عصمة جميع الأنبياء عليهم السلام
، فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال: يا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عزّ وجلّ من أن انطق في أنبياء الله عليهم السلام
بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته
.
وفي مجلس آخر تساءل المأمون عن عصمة الأنبياء وأورد الآيات المتشابهة في ذلك فأجابه الإمام عليه السلام
جواباً شافياً، وأوّل له تلك الآيات على خلاف ظاهرها، فقال المأمون: (لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليّ)
.
وكان هدف المأمون - كما يرى الشيخ الصدوق - هو الحرص على انقطاع الرضا عليه السلام
عن الحجة مع واحد منهم، وذلك حدّاً منه له ولمنزلته من العلم
.
____________________