خالف العباسيون أسس النظام الاقتصادي الإسلامي التي تنصّ على أنّ الأموال هي وديعة عند الحاكم وليست ملكاً خاصاً له، وانّ إنفاقها يجب أن يكون مقيداً بقيود شرعية، فكانوا يتصرّفون بالأموال حسب رغباتهم وشهواتهم، فكانوا ينفقونه لشراء الذمم من أجل تثبيت سلطانهم، وكانوا يعيشون أعلى درجات البذخ والترف، وكان للجواري والمغنيين والمتملّقين نصيبٌ كبيرٌ في بيت المال، وقد جيء إلى هارون بخراج عظيم وأموال طائلة من الموصل، فأمر بصرف المال إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدّثوا به، فقال أبو العتاهية: أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة، ولا تتعلق كفّي بشيء منه، ثم دخل على هارون فانشده ثلاثة أبيات، فأعطاه عشرين ألف درهم، وزاده الفضل بن الربيع خمسة الآف
.
____________________
وأسمعه إبراهيم بن المهدي أغنية فأمر له بألف ألف درهم
.
واشترى هارون جارية بسبعين ألف درهم، واشترى لها جوهراً باثني عشر ألف دينار، ثم حلف ألا تسأله يومه ذلك شيئاً إلاَّ أعطاها
.
وفي مقابل ذلك نجد أن كثيراً من المسلمين كانوا يعيشون الفقر والحرمان، كما هو ظاهر من حوار رجلين من قريش مع هارون إذ قالا له: نهكتنا النوائب، وأجحفت بأموالنا المصائب
.
وكان الترف والبذخ من نصيب الحكّام والمقربين لهم، من وزراء وولاة حتى بلغت أموال والي هارون على خراسان ثمانين ألف ألف
.
وقد وصلت ملكية هارون حداً غير متصور فقد خلّف مائة ألف ألف دينار، ومن الأثاث والجوهر والورق والدواب ما قيمته مائة ألف ألف دينار، وخمسة وعشرون ألف دينار
.
وسار أولاده على نهجه في البذخ والترف والتلاعب بأموال المسلمين، فقد بنى محمد الأمين قبة اتخذ لها فراشاً مبطناً بأنواع الحرير والديباج المنسوج بالذهب الأحمر وغير ذلك من أنواع الإبريسم...
.
وفي الوقت الذي يعيش فيه المسلمون أجواء الفقر والحرمان نجد الأمين يتلاعب بالأموال دون قيود، فقد صيدت له سمكة وهي صغيرة
____________________
فقرّطها حلقتين من ذهب فيهما حبتا درّ، وقيل ياقوت
، وكان ينفق الأموال على لهوه وعلى جلسائه والخصيان
.
وانفق المأمون في زواجه أموالاً طائلة لا حصر لها، وأمر بإعطاء خراج فارس والأهواز إلى والد زوجته يجبى إليه لمدة سنة
، وكان بطانة والي بغداد في عهده ينهبون أموال الناس وممتلكاتهم ولا أحد يمنعهم من ذلك
.