وفي الفترة الواقعة بين سنة ( 183 هـ ) إلى سنة ( 187 هـ ) لم يعلن الإمام الرضا عليه السلام
عن إمامته، ولم يظهر له أيّ تحرّك علني في المدينة من خطب أو لقاءات عامّة، ولم يسجّل عليه أي حضور في المحافل العامة.
وقد أدرك هارون من خلال أخبار عيونه أنه كان بعيداً عن الأحداث، وهذا ظاهر من الرواية التالية التي تقول:
(دخل أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام
السوق، فاشترى كلباً وكبشاً وديكاً، فلما كتب صاحب الخبر إلى هارون بذلك، قال: قد أمنّا جانبه)
.
ولم يصدّق هارون الأخبار الواردة عن غير طريق عيونه السرّيّة، كالخبر الذي أورده أحد أحفاد الزبير بن العوّام على هارون من أنّه: قد فتح بابه ودعا إلى نفسه، فقال هارون عند وصول الخبر: واعجباً من هذا! يكتب أنّ
____________________
علي بن موسى عليه السلام
قد اشترى كلباً وكبشاً وديكاً، ويكتب فيه ما يكتب
.
فلم يلتفت إلى قول الزبيري، وترك الإمام الرضا عليه السلام
وشأنه، إلى أن مضت أربع سنين من استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام
فقام الإمام الرضا عليه السلام
بالأمر علناً عملاً بوصية من أبيه - كما تقدم - وكان ذلك في سنة (187 هـ ) وهي السنة التي قام فيها هارون بقتل البرامكة، وكان لقتلهم دور كبير في خلخلة الأوضاع السياسة لأنّهم كانوا أركان الحكومة ومشيّدي صرحها، وبقتلهم انتهت أو خفّت الوشايات على الإمام الرضا عليه السلام
لأنهم كانوا من أشدّ المحرِّضين على قتل أهل البيت عليهم السلام
، وهذه الظروف ساعدت الإمام عليه السلام
على التصدّي للإمامة، فقام بالأمر وهو مطمئن إلى عدم قدرة هارون على سجنه أو قتله، وقد حذّره بعض أنصاره من التصدّي للإمامة وقالوا: إنّك أظهرت أمراً عظيماً وإنّا نخاف عليك من هذا الطاغية فقال عليه السلام
: (ليجهدنّ جهده فلا سبيل له علي)
.
وأجابهم في موقف آخر قائلاً: (إنْ خُدشت خدشاً من قبل هارون فأنا كذّاب)
.
وتصدّي الإمام الرضا عليه السلام
لا يعني المعارضة السياسية، فقد تصدّى الإمام عليه السلام
لمحاربة الأفكار والعقائد الهدّامة واهتم بنشر الفكر الاسلامي السليم في مجالي العقيدة والشريعة، وهذا الأمر لا يهمّ هارون مادام الإمام عليه السلام
لا يعارض سلطانه.
ومما ساعد على هذا الانفراج النسبي هو انتقال هارون إلى الرّي سنة (189 هـ)، ثم إلى خراسان سنة (192 هـ)، ثم وفاته سنة (193 هـ).
____________________